
كتب جودة عبد الصادق إبراهيم
في الوقت الذي تعزز فيه مواقع التواصل الاجتماعي، سبل الاتصال بين الناس وتوفر فرصًا للتعلم والترفيه، حذرت دراسة حديثة من تأثيراتها السلبية العميقة على الصحة العقلية للمراهقين، مشيرة إلى أن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية معقدة.
الارتباط بين السوشيال ميديا والصحة العقلية
ورغم أن السوشيال ميديا أصبحت ساحة مفتوحة للتفاعل الاجتماعي والتعبير عن الذات، إلا أن استخدام هذه الوسائل بشكل مفرط قد يترك آثارًا سلبية على المراهقين، الذين لا تزال عقولهم في طور النمو، إذ تشير الدراسة التي أجريت في جامعة «هارفارد» إلى أن المراهقين الذين يقضون وقتًا طويلًا على منصات مثل «إنستجرام» و«فيسبوك» و«تيك توك» يعانون من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب، مقارنة بأقرانهم الذين يتجنبون الإفراط في استخدام هذه التطبيقات.
ويعتقد الخبراء أن التفاعل المستمر مع الصور المعدلة والمحتوى الذي يروج للمثالية الاجتماعية يخلق ضغطًا نفسيًا هائلًا على المراهقين، ما يعزز الشعور بالانعدام أو القلق بشأن مظهرهم أو مكانتهم الاجتماعية، بحسب موقع psychologytoday.
يعد أحد أكبر التأثيرات السلبية المترتبة على السوشيال ميديا هو العلاقة المعقدة بين الإعجابات والتقدير الذاتي، ففي دراسة شملت أكثر من 2000 مراهق، أظهرت النتائج أن المراهقين الذين يرتبطون بشكل مفرط بمؤشرات النجاح الرقمي مثل عدد الإعجابات والمشاركات يتعرضون لضغوط نفسية كبيرة، قد تصل إلى الاكتئاب أو اضطرابات في صورة الجسد.
تعزز هذه المنصات نمط حياة يعتمد على مقارنة الذات بالآخرين، ما يزيد من القلق والمشاعر السلبية، إذ يسعى المراهقون إلى الوصول إلى معايير قد تكون غير واقعية، مما يفاقم من شعورهم بالنقد.
العزلة الاجتماعية والتأثير على جودة النوم
بالرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي تهدف إلى تعزيز الاتصال بين الأفراد، إلا أن العديد من الدراسات أظهرت أن المراهقين الذين يقضون وقتًا طويلًا على هذه المنصات يعانون من العزلة الاجتماعية، فبدلاً من بناء علاقات حقيقية على الأرض الواقع، يفضل البعض التفاعل الرقمي، ما يقلل من فرص التواصل الاجتماعي الفعلي ويسهم في تفاقم مشاعر الوحدة.
ومع مرور الوقت، يتأثر سلوك المراهقين، إذ قد يتجنبون الأنشطة الاجتماعية التقليدية، مثل التفاعل مع الأصدقاء في الحياة الواقعية أو المشاركة في الأنشطة الرياضية، مما يؤدي إلى تقليل مهارات التواصل الشخصي.
من الآثار الجانبية الأخرى التي تتسارع مع الاستخدام المفرط للسوشيال ميديا، هو تأثيرها على النوم والتركيز، إذ يؤكد الباحثون أن المراهقين الذين يقضون ساعات طويلة أمام شاشات هواتفهم، سواء لمتابعة الأخبار أو التفاعل مع منصات التواصل الاجتماعي، يعانون من مشاكل في النوم، مثل الأرق، بسبب تعرضهم للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات والذي يؤثر على إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم النوم.
كما أن هذه العادة يمكن أن تؤثر أيضًا على قدرتهم على التركيز في المدرسة أو في الأنشطة الأخرى، إذ يجدون صعوبة في الابتعاد عن هواتفهم أو التواصل عبر الإنترنت، مما يقلل من فعاليتهم في الدراسة أو العمل الجماعي.
ومع هذه التحذيرات، يدعو الخبراء إلى أهمية تحقيق توازن صحي في استخدام السوشيال ميديا، ويؤكد الباحثون على ضرورة توعية المراهقين وأسرهم بضرورة تحديد وقت معين لاستخدام هذه المنصات، مع تشجيعهم على الانخراط في الأنشطة البدنية والاجتماعية الواقعية بعيدًا عن الشاشات.
كما ينصح بضرورة تعزيز التربية الرقمية، التي تهدف إلى تعليم المراهقين كيفية التعامل مع الضغوط التي يواجهونها على الإنترنت، بما في ذلك ضرورة مراقبة م