سوشيال ميديا

“طلائع بن رزيك” الشاعر الوزير الذي يَحقُّ لمصر أن تعتز به وتفخر

تقديم دكتور  محمود فؤاد

صدر عن (دار اليوم الأول للنشر والتوزيع بالقاهرة) كتاب (طلائع بن رزيك، أبو الغارات الملك الصالح الشاعر الوزير المصري الفاطمي الأرمني حياته وشعره) في خمسمئة وعشرين صفحة، للدكتور محمد علي النجار.

والكتاب دراسةٌ تتسم بالعمق والنضوج للشاعر وعصره، بحيث وصفها البروفيسور عون الشريف قاسم قائلاً: “صِدقًا .. إن هذه الدراسة لا نجد لها مثيلاً في جامعاتنا العربية في الوقت الحاضر”.

فقد ناقش المؤلف في كتابه كثيرًا من القضايا التي مر عليها الدارسون مرور الكرام، وفند الأحكام السطحية المتسرعة التي شوهت شخصية ابن رزيك، ولم تظهره على حقيقته.

مهد المؤلف للدراسة بالحياة السياسية والاجتماعية والأدبية والثقافية في العصر الفاطمي، ثم تناول حياة الشاعر من جميع جوانبها، ابتداء من اسمه ومولده ونشأته، فصوَّب ما كان قد نقله اللاحق عن السابق من معلومات تفتقر إلى الدقة، ودون تثبت من صحة هذه النقول.

لقد أولى المؤلف شخصية الوزير الشاعر ابن رزيك اهتمامًا كبيرًا؛ لشعوره بأن شاعره لم يأخذ حقه من الاهتمام الذي يستحقه، ولأن من كتبوا عنه من قدامى ومحدثين قد غمطوه حقه. فألقت هذه الدراسةُ الضَّوْء على صفته وخلقه، ومذهبه ومعتقده، ما له وما عليه، ثم عرَّجت على طلائع بن رزيك شاعرًا وأديبًا وراعيًا للأدب وأهله في مصر.

ولما كانت صورة طلائع وزيرًا ومجاهدًا باهتة عند الباحثين والمؤلفين، فقد تكفل المؤلف بإبراز صورة ابن رزيك على حقيقتها، فرد عنه بعض الشبهات، وأثبت بالدليل أن طلائع كان وزيرًا مقتدرًا في عالم السياسة والاقتصاد والإدارة، تمامًا مثلما كان قائدًا ومجاهدًا، أنفق على جيش مصر الأموال الطائلة لمحاربة الصليبيين في بلاد الشام، وتحرير القدس وإعادتها إلى حمى المسلمين. فكان يرسل جيوشه برًا، وأسطوله بحرًا حتى وصل إلى صيدا وصور، وكان – أحيانًا – يقود الجيش بنفسه، حتى وصفه الملك المنصور محمد بن عمر الأيوبي بأنه “كان ملكًا عظيم الشأن .. ذا شجاعة وسماحة وفصاحة .. وقد أخذ نفسه بالجهاد والمسير إلى بلاد الشام، ومواظبة السرايا ولقاء المشركين .. وكل سرية يكون فيها أو وقعة يحضرها يكون قطب رحاها .. حتى صار موسومًا عند أبطال الفرنجة بالبسالة مخوف السطوة”.

وقد كان طلائع شاعرًا ملتزمًا، وظف شعره لتسجيل هذه المعارك وتلك الانتصارات، والدعوة لوحدة مصر والشام، لتحقيق النصر وتحرير القدس الشريف.

وعرض المؤلف في كتابه القيِّم لديوان طلائع المجموع بطبعتيه، واستطاع أن يضيف إليه أكثر من مئة بيت جديد، عثر عليها في المخطوطات والمصادر القديمة، فحققها وشرحها وعلق عليها.

وفي الدراسة الفنية عرض المؤلف للأغراض الشعرية عند طلائع، فتصدر المدح والرثاء لآل البيت الأغراض الأخرى، إلى جانب الإخوانيات التي دارت بينه وبين أسامة بن منقذ، والدعوة إلى الجهاد. ثم تناول – باستفاضة – التجربة الشعرية عند الوزير المصري طلائع، وبناء القصيدة، والأسلوب، والفنون البديعية، والصور البيانية، والموسيقا في شعره.

لقد استطاع طلائع بخبرته العسكرية، وحنكته السياسية، وتجاربه الطويلة، أن يمسك مقاليد الحكم، وأن يدير دفة الخلافة بالصورة التي تحقق الاستقرار والأمن في مصر وكان له ذلك، حتى قتل في شهر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمئة، وبمقتل ابن رزيك خسرت مصر وزيرًا قويًا مدبرًا حليمًا .. شجاعًا عادلاً رحيمًا .. مجاهدًا مخلصًا حكيمًا .. أديبًا شاعرًا كريمًا .. جمع الكثير من الصفات والمناقب والخصال التي لم تتوافر لغيره من الوزراء الفاطميين، فحُقَّ لمصر أن تعتز بهذه الحقبة من تاريخها، وأن تفخر بطلائع وزيرها.

إن القارئ لهذا الكتاب، سيكتشف أن المؤلفين لم ينصفوا الشاعرَ الوزيرَ المصري، بل غمطوه حقه، حتى جاءت هذه الدراسةُ لتنصفه، وتعيد له ما يستحق من المكانة والتقدير.

إن هذا الكتاب بأسلوبه الأدبي الممتع، جديرٌ بالقراءة والاطلاع، وحَريّ به أن يملأ الفراغ في المكتبة الفاطمية؛ لما سيُضيفه من مادةٍ تاريخيةٍ وأدبيةٍ وسياسيةٍ غزيرة، وحقائقَ وأحكامٍ دقيقةٍ وجديدةٍ، تجعله مرجعًا علميًا أصيلاً لهذا العصر، ونموذجًا يُحتذى للباحثين والدارسين في الأدب العربي.

دار اليوم الأول للنشر والتوزيع

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى