فن وثقافة

عمر الشريف يتحدث عن أمه: جميلة مثل نجمة سينما لكن “النمش” كان يؤرقها

تمر اليوم ذكرى ميلاد النجم العالمي عمر الشريف،  الذي ولد في 10 أبريل 1932، وكان عمر الشريف دائم الحديث عن حياته معتزا بها، وكان متعلقا بأمه ويذكرها دائما بأنها هى من صنعته، وفي كتاب “وجوه عمر الشريف” قدم الناقد محمود قاسم ملخصا وافيا لمسيرة عمر التي أملاها على الصحفية الفرنسية ماري تيريز جينشار في سنة 1975 بعنوان “الرجل الخالد” والتي يتحدث فيها عن أمه وأبيه فيقول:

وأنا أرى أمي اليوم، بنفس الصورة التي كانت عليها من قبل، وهي صورة قريبة جدًّا مما كانت عليه ممثلات السينما في الثلاثينيات، الطول المتوسط، والجسد الملآن في غير ترهُّل. أما سحرها ومكمن جاذبيتها فكان شعرها الطويل، الضارب إلى الحمرة.

وككل حمراء الشعر، كان على أمي أن تدفع ضريبة، والضريبة هي حبات “النمش” التي تملأ بشرة الوجه، وهي قلما تنال من وجهٍ جميل، إلا أن البعض يتضايقن منها، وأمي كانت من هذا البعض؛ فقد حاولَت ذات مرة، أن تزيل النقاط الميالة إلى السواد، والمتناهية في الصغر، فلجأَت إلى خبيرة تجميل، قامت بكي كل واحدةٍ من النمش على حدة، ولكنها تعذبت كثيرًا بعدها؛ فقد خلَّفَت كل “نمشة” ندبةً صغيرة وراءها، من آثار الحروق، وتطلب الأمر وقتًا طويلًا، حتى عاد الوجه إلى صفائه.

وهي أيضًا كانت أنيقة، جذابة، حلوة الكلمة، تعرف متى تتكلم ومتى تلوذ بالصمت، وتعرف أيضًا ماذا تقول ومتى تقوله، ومتى تشفع الجملة، أو تدعمها بنظرة عين، أو رفة جفن!

أما أبي فكان طويلًا رشيقًا، وبالرغم من أنه لا يزيد عني في الطول، إلا بمقدار نصف بوصة، إلا أني لم أُعتبَر أبدًا من طوال القامة، في حين كانت النظرة إليه دائمًا على أنه كذلك، وأنا أعتقد أن المسألة تقديرية، تختلف من نظرة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر. وشعر أبي كان أسود، قبل أن يزحف البياض إليه مع السنين، وقبل أن تزيد نفس تلك السنين من وزنه، بطريقةٍ كادت تُفقده رشاقته المعهودة، ولكنه كان رجلًا طيبًا للغاية، وهو لا يزال كذلك.

تعلم أبي في مدارس الفرير، ودرسَت أمي عند الراهبات، ومن هنا ترسَّبَت في نفسَيهما تقاليدُ موحَّدة وقوية، وظلا مرتبطَين دائمًا بذلك الوشاح القوي، الذي يتولَّد عن التربية الدينية، ويجعل المثالية هي القِبلة، والمسلك القويم هو الطريق المختار. ولم يحدث أبدًا أن سمعتُ أبي يتلفظ مرةً واحدة بلفظةٍ نابية، كما لم يحدُث أن اغتاب والداي أحدًا؛ فقد كان كلٌّ منهما ملتزمًا بالمبادئ القويمة في قوله وتصرفاته.

وبالرغم من أن حرفة أبي كانت التجارة، وهو ميدانٌ قد يتطلب أحيانًا المداهنة، أو المراوغة، وربما الكذب، إلا أنه نأى بنفسه عن كل هذا، حتى لو أدى به الأمر إلى الخسارة في واحدة من الصفقات. أما أمي فكانت أكثر لينًا من أبي، وتفهُّمًا، في حين أن ذكاءها يتجاوز كل حد. ولم يكن من السهل عليَّ وأنا صغير، وحتى بعد أن كبرتُ، أن أحاورها، أو أكذب عليها، أو أضلِّلها، على عادة الأبناء؛ فقد كانت نظرةٌ واحدة من عينَيها في أعماق عيني، تكفي للكشف عن كل ما يدور بخاطري، وكان عليَّ، والحالة هذه، أن أحالفها، وأهادنها، بدلًا من أن أحاول التغلب عليها؛ لأن الأمر الأخير صعبٌ جدًّا.

كنا، في الإسكندرية، نعيش في منزلٍ صغير من طابقَين، بضاحية «كليوباترا الحمامات»، وقد طاب لي أن أزوره مؤخرًا، فوجدتُه على حاله، وإن بدت على جدرانه بعض «التجاعيد». كانت حياتي في ذلك البيت، بل في الإسكندرية كلها، وادعة، سعيدة، هنية. أبدًا لم يحرمني أبي من شيء، ولم تكن أمي تضن عليَّ بطلبٍ مهما غلا. ومن هنا شببتُ بلا حرمان، وربما بلا عُقد؛ فقد شعَرتُ دائمًا أني أسبَح في بحرَين؛ بحر الإسكندرية الأزرق الصافي المياه، وبحر الحب الأعمق، والأقل تعرُّضًا للأنواء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى