مقالات كبار الكتاب

أحمد نجم .. يكتب .. تطوير التعليم.. رؤى وأطروحات

بقلم أحمد نجم

أثار السؤال الذي قدمه أحد أعضاء البرلمان لرئيس مجلس الوزراء د. مصطفي مدبولي ووزير التربية والتعليم والتعليم الفني السيد محمد عبد اللطيف حول الخطة الحقيقية لتطوير التعليم، علامة استفهام حول تكرار المطالبة بالتطوير من كثيرين دون طرح آليات محددة للتطوير لبعض المطالبين بالتطوير.. ولست أقصد هنا بالتحديد النائب المحترم وهو صديق عزيز وشخصية قانونية أعتز بها وهو الدكتور إيهاب رمزي استاذ القانون الجنائي الجليل، وشقيق الصديق الغالي الفنان هاني رمزي.

عبر سنوات عديدة يطالب البعض بالتطوير دون أن يعلن منهجية واضحة ومحددة تتضمن المعوقات التي تواجه التطوير و كيفية حلها، فلن تستطيع الوزارة وحدها القضاء علي المعوقات وطرح الحلول وتنفيذها، لابد من تكاتف كل القوي المؤمنة بأن التعليم قضية أمن قومي لابد من مساندته، سواء عن طريق دعم القطاع الخاص أو رؤى واقعية لخبراء التعليم والاقتصاد ورجال المال والأعمال معًا.

العقبات ليست قليلة، وهي تقف أمام بعض سبل تطوير المنظومة التعليمية بكل محاورها، وكل وزير جديد للوزارة يسعى لعلاج بعض السلبيات وتقديم الأفضل حسب قدرته والإمكانيات المتوفرة له، ولكن غالبا لا يشعر ولي الأمر بتحسن ملحوظ، ويعتقد الكثيرون أن هناك سياسات غير مستقرة لكل مرحلة وزارية، وكأن وزارة التربية والتعليم حقل تجارب لكل من يجلس علي مقعدها، غير أن الحكمة تتطلب الصبر علي سياسات الإصلاح التي يطرحها كل وزير جديد.

منهجية التعامل مع الطلاب لابد من استقرارها، فهناك الكثير الذي تغير مع كل مرحلة وزارية، فمثلا تأتي التقييمات لتكون عبء لكثير من المعلمين والتلاميذ، وضرورة تقنينها بحيث تناسب حجم كمية العمل المكلف بها جناحي العملية التعليمية المعلم والطالب، كي لا يعتبرها بعضهم كابوسًا يثقل كاهله، فيجب تقنينها بحيث يكون لدى المعلم قدرة علي تنظيم وقته في الحصة وإعطاء الطالب حقه في الشرح، بدلا من الاهتمام بعقد التقييمات الدورية وتصحيحها ومراجعتها.. وقت مهدر لدى الكثير من المعلمين.

فكثير من المعوقات التي تواجه تطوير التعليم خارجة عن إرادة وقدرات أي وزير، لأنها تتطلب قرارات أعلى من قدراته، فمشكلة تكدس الفصول بالطلاب وثنائية الفترات المدرسية، تحتاج لإنشاء مدارس جديدة، خاصة في المناطق الأكثر كثافة طلابية وغالبًا ستكون القري.

يحتاج الحل لقرارات توفير ميزانية مالية مخصصة لبناء المدارس، وهو أمر يتعلق بسياسات وقدرات الدولة، كما أنه من الممكن مشاركة القطاع الخاص الوطني دون الاستثماري الاستغلالي في المساهمة في بناء مؤسسات تعليمية عن طريق المشاركات المجتمعية، وأبناء تلك المناطق من المقتدرين أو رجال الأعمال في الخارج والداخل.

و هناك حالات تبرعات بالأراضي كثيرة يمكن لكل رجال المال و الأعمال في الداخل والخارج في القرية أو المدينة أو المحافظة تبني تلك المباني لتقام عليها مدارس عن طريق المشاركات المجتمعية، يدًا بيد مع الدولة.

أيضا تحديث المناهج قضية جوهرية في التطوير بحيث تزكي منهج الفهم لا الحفظ، كما يستلزم ضرورة النظر للتعليم الفني باعتباره ركيزة أساسية نحو النهضة وربطه بمتطلبات سوق العمل.

تعتبر قضية تمويل المؤسسات التعليمية مشكلة تواجهها المدارس ويتطلب الأمر تخصيص جانب فعلي من مصروفات الكتب للإنفاق علي العملية التعليمية وإلزام كل طالب بتسديد ثمن الكتب المدرسية والتشديد علي ذلك، والخطأ هو مهادنة ولي الأمر واكتساب مودته، بالقول أن الكتب المدرسية ليست مرتبطة بدفع المصروفات، مما يشجع ولي الأمر حتى المقتدر على التغاضي عن دفع المصروفات، أيضا ضعف البنية التحتية والعجز الشديد في المعلمين، والمباني المتهالكة. وجاء قرار الرئيس بتعيين 130 ألف معلم سنويًا ليقلل نسبيا من حجم العجز في المعلمين، بجانب الصيانات السنوية للمدارس تعرقل العملية التعليمية، لأنها تتم عن طريق مقاولي الباطن الصغار الذين يتعاملون معها كسبوبة فقط، دون مراعاة للأسس الهندسية للمباني، مما يجعلها تفسد في أقرب وقت بعد موعد التسليم بوقت قصير، بالإضافة لكونها تتم أثناء بدء الدراسة وتنتقل المدارس لمدارس أخري فترات مسائية لتكثر المشاكل التافهة، وتنشغل إدارات المدارس في الحل، ومن الأفضل أن تتم أعمال صيانة المدارس خلال أشهر الأجازة الصيفية التي تكفي للانتهاء من أعمال الصيانة لكن التهاون المستمر لعقول خربه، أحد معوقات التطوير.

من الضروري تطوير المناهج التي تركز حاليًا علي الجانب النظري وتتغاضي عن الجوانب العملية لإبراز مهارات الطلاب، وأحيانا بعض المناهج تقوم علي الحفظ دون الفهم.

وتأتي ظاهرة غياب الطلاب عن المدارس وخاصة شهادتي الإعدادية والثانوية وكثرة وجود سناتر الدروس الخصوصية التي تمثل رعب لولي الأمر وتأخذ من قوت باقي أفراد الأسرة.. هنا يجب مواجهه الغياب بتفعيل فصل الطالب المقصر في الحضور وتفعيل تجريم الدروس الخصوصية.

من الضروري عدم إثقال كاهل المعلم في أمور تقلل من حجم وقته مع الطالب مثل إشغاله بجماعات الأنشطة المختلفة، وكتابة التحضير بطرق كثيرة، وعمل وتصحيح الواجبات وعقد وتصحيح الاختبارات واستقبال أولياء الأمور، بالإضافة للمشكلة الكارثية وهي حضور المعلم تدريبات كثيرة، بعضها دون استفادة، وتكون تلك التدريبات خلال العام الدراسي، و السؤال لماذا لا تتم تلك التدريبات في الأجازة الصيفية قبل بدء الدراسة ليتفرغ المعلم لعمله الرسمي فقط، ولا يؤثر غيابه عن المدرسة لحضور التدريبات على خطة الدراسة ولا على انتظام عمل المدرسة نتيجة وجود أكثر من معلم في التدريبات.

أحيانا يواجه التطوير عقبة اختيار القيادات المدرسية، فمن المساوئ وجود قيادات في الإدارة المدرسية ليس لها علاقة بأسس العملية التعليمية، فاختيار قيادات الإدارات التعليمية أو المدرسية من معلمي التربية الرياضية أو الفنية أو الموسيقية، أو أخصائي الأنشطة المختلفة أمر خاطئ لابتعاد هؤلاء عن العملية التعليمية المباشرة مع الطالب مع كامل التقدير والاحترام لهم، ولكن المصلحة العامة التربوية تتطلب أن تكون القيادات التعليمية من معلمي المواد الثقافية فقط، الذين يسعون دائمًا لتطوير المناهج والوصول لعقلية الطالب والتعامل بمنهجية تعليمية مع اليوم الدراسي، بينما غير ذلك هم مهتمون فقط بالترفيه عن الطلاب وإعلاء النشاط المدرسي مع كامل التقدير والاحترام لهم ولدورهم.

لعل الجانب الجوهري في التعليم هو المعلم وتقديره واحترامه واجب، وأحسن وزير التعليم محمد عبد اللطيف في التصدي لكثير من حالات الشغب في المدارس بفصل المشاغبين وقد أثنيت عليه في اتصال تليفوني بيننا.

يعتبر مجلس الآباء هو مجلس شعب مصغر لابد أن يتولى تقديم العون والمساعدة للمدارس بدلا من وضعه في لوحه معلقة في حجرة الأخصائي الاجتماعي، فيمكنه عن طريق المشاركات المجتمعية تعيين عمال بالأجر في كل مدرسة سواء قرية أو مدينة ويتولى رجال الأعمال مسؤوليات المساهمات حتى تتفرغ الإدارة المدرسية لعملها دون مواجهة مشكلة عدم وجود عمال خدمات بالمدارس مما يعرقل سير العملية التعليمية بالمدرسة.

ومن أهم مراحل التطوير هو تطوير مناهج مرحلة رياض الأطفال لتناسب المستوي العمري لهم مع تقديم مواد علمية تنمي قدراتهم الإبداعية، فمرحلة رياض الأطفال هي الأساس الذي تقوم عليه منظومة العملية التعليمية، بجانب تقدير مادي ومعنوي لمعلمات رياض الأطفال فهن الأساس في تنشئة الطالب.

أيضا التعليم الفني ليس بمعزل عن التطوير، فمن المعوقات التي تواجهه عدم استغلال القوة الطلابية بشكل صحيح،بالإضافة لتدريس مواد لا تدعو الحاجة إليها الآن، كما أن نظام الجدارات للتعليم التجاري لا يناسب مستوى الطلبة بل أصبح معوقًا جديدًا للمعلم والطالب، لأن المدارس غير مجهزة بالشكل الذي يتناسب مع استخدام التكنولوجيا الحديثة، كما أن تدني المجموع في بعض المحافظات يجعل التعليم التجاري حبر على ورق.

ويمكن التغلب على ذلك بتولي القطاع الخاص الإشراف على المدارس الزراعية والصناعية والاستعانة بعمل الطلاب في الورش وإنتاج بعض المشغولات وتسويقها وحصول الطالب على نسبة من الربح تكون بمثابة حافز للحضور والعمل، مع وضع مناهج للمواد الثقافية تتناسب مع مستوى الطالب بالإضافة لتخفيف الإجراءات الورقية لنظام الجداراتوتوفير أجهزة كمبيوتر حديثة لتدريب الطلاب عليها، أيضا رفع مجموع الالتحاق بجميع المدارس، ومن الضروري تخصيص مدارس مهنية للطلبة الحاصلين على أقل من ٦٠% في الشهادة الإعدادية.

رؤية تطوير التعليم 2030 ترتكز على توفير تعليم عالي الجودة ومدمج للتكنولوجيا وبناء الشخصية المتكاملة وتزويد الطلاب بالمهارات لمواجهه تحديات المستقبل.

التعليم مشروع حضاري وقضية أمن قومي، فبناء العقول هو بناء للدولة الحديثة وسلاح قوي لتغيير العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى