مقالات رئيس التحريرمقالات كبار الكتاب

جودة عبد الصادق يكتب .. لا تؤجل الصفح… فالعمر لا ينتظر

بقلم .. جودة عبد الصادق إبراهيم

في زحام الحياة وتسارع أيامها، ينسى كثيرون حقيقة ثابتة لا تقبل الجدل: العمر أقصر من أن يُهدر في الكراهية، وأثمن من أن يُستنزف في الحقد والحسد والنفاق وقطيعة الأرحام. نمضي خلف خلافات لا تنتهي، ونُخاصم كأن البقاء مضمون، بينما الحقيقة أن الوقت لا يتوقف لأحد.

أصبحت القلوب مثقلة بما لا تحتمل، محمّلة بالغضب والضغائن، في زمن نحن فيه أحوج ما نكون إلى الرحمة والتسامح. ننسى أن ما نعيشه اليوم، سنحكيه غدًا إن كُتب لنا الغد، أو سنُذكر به فقط إن سبقنا الرحيل.

غدًا نصبح ذكرى؛ اسمًا على لسان، أو صورة في إطار، أو دعاءً عابرًا بعد صلاة. وحينها لن يكون السؤال عمّا امتلكنا أو ما حققناه، بل عمّا تركناه في قلوب الآخرين: سلامًا أم وجعًا، أثرًا طيبًا أم جرحًا لا يندمل.

الصفح لم يكن يومًا ضعفًا، بل هو شجاعة أخلاقية لا يملكها إلا من فهم قيمة نفسه وقصر الطريق. والتسامح ليس تنازلًا عن الحق، بل سموٌّ فوق الصغائر، وارتقاء بالروح عن مستنقع الخصومات الدائمة.

إن أخطر ما يُصيب المجتمعات ليس الفقر ولا الاختلاف، بل القلوب المريضة بالحقد والحسد، والنفوس التي تعيش على النفاق، فتُهدر القيم وتُفرغ العلاقات من معناها الإنساني.

وصلة الرحم ليست عادة اجتماعية، بل مسؤولية أخلاقية ودينية، وقطعها ليس مجرد خلاف عابر، بل شرخ عميق في بنية المجتمع وروحه. فحين تنقطع الأواصر، يضعف الأمان، ويختفي الدفء، ويغدو الإنسان وحيدًا وسط الزحام.

نحن لا نملك رفاهية تأجيل الصفح، ولا ضمان الغد. ما نملكه حقًا هو هذه اللحظة: أن نُصلح، أن نُسامح، أن نُخفف أحمال قلوبنا، وأن نعيش بقلوب سليمة لا تعرف الضغينة.

فالجنة لا تُبنى على كثرة الأعمال وحدها، بل على صفاء النية وسلامة الصدر. والنجاة الحقيقية ليست في الانتصار على الآخرين، بل في الانتصار على أنفسنا.

في زمنٍ قاسٍ، يبقى أنبل ما نملكه هو قلبٌ نظيف، وكلمة طيبة، وأثر لا يُنسي. فلنُحسن العبور… فالعمر لا ينتظر أحدًا.
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى