بقلم د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة
شهدت السنوات الماضية تعاوناً مثمراُ بين قطاعات الدولة المختلفة والجامعات المصرية لإنشاء برامج علمية متخصصة لتاهيل كوادر علمية في مجالات محددة. فشهد الأسبوع الماضي على سبيل المثال توقيع بروتوكولات تعاون مهمة بين المعهد المصرفي المصري – الذراع التدريبي للبنك المركزي المصري – وكليتي التجارة بجامعتي القاهرة وسوهاج، بهدف إطلاق برنامج بكالوريوس العلوم المصرفية ابتداءً من العام الدراسي 2025/2026، وذلك بعد أن أعلنت جامعة عين شمس في وقت سابق عن بدء تطبيق البرنامج لديها اعتباراً من العام القادم. وسبق هذا التعاون عدة بروتكولات أخرى بين الجامعات المصرية وقطاعات هامة في الدولة مثل برنامج الماجستير والدكتوراه في الحوكمة ومكافحة الفساد الذي تنفذه كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد التابعة لهيئة الرقابة الإدارية، والذي بدأ عام 2020 وأسهم في تخريج كوادر متخصصة لنشر قيم النزاهة والشفافية وتعزيز قدرات مؤسسات الدولة في مجالات الوقاية من الفساد. أيضا هناك برنامج الزمالة المصرية ينفذها كلية الطب قصر العيني بالتعاون مع وزارة الصحة، والتي تتيح للأطباء الشباب فرص تدريب عملي في المستشفيات الجامعية والمراكز الطبية المتخصصة، بما يرفع مستوى الخدمات الصحية ويواكب أحدث الممارسات العلاجية.
وغذا تحدثنا عن أحدث هذه البرامج وهو برنامج العلوم المصرفية، فهو برنامج يهدف إلى إعداد جيل جديد من الكفاءات المصرفية المتمكنة من أحدث التقنيات والابتكارات في عالم العمل المصرفي وتأهيلهم ليصبحوا أكثر تنافسية في سوق العمل المحلي والدولي واللذان يشهدان تغيرات متسارعة نتيجة للطفرات التكنولوجية. ويهدف البرنامج تحديداً إلى تزويد الطلاب بمعارف مصرفية متخصصة، وتنمية مهارات عملية وأخلاقية تمكّنهم من النجاح في بيئة مهنية تشهد تحولات عميقة بفعل التطور التكنولوجي والتحول الرقمي الذي فرضته الثورة الصناعية الرابعة. ويتضمن البرنامج مسارات تدريبية متقدمة تشمل الشمول المالي، والخدمات المصرفية الرقمية، والتكنولوجيا المالية (FinTech) ، وإدارة المخاطر، واللوائح التنظيمية الحديثة، بالإضافة إلى محاور الاستدامة وتطبيقات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات. كما يدمج البرنامج بين الدراسة النظرية والتدريب العملي داخل مؤسسات مصرفية، بما يعزز قدرة الخريجين على الاندماج السريع في بيئة العمل الفعلية.
ويمثل هذا البرنامج مع غيره من البرامج الأخرى التي تتم بالتعاون بين الجامعات المصرية وقطاعات الدولة المختلفة تطبيقاً عملياً لمبدأ التعاون والتكامل بين وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وهذه القطاعات، وهو أحد الركائز الاستراتيجية في الخطة الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2023–2030. وقد أثبتت كل التجارب القائمة بالفعل أن هذا النوع من الشراكات قادر على سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، إذا ما تم تصميم البرامج بما يتوافق مع المعايير الدولية ومتطلبات الاقتصاد الوطني.
هذا النوع من التعاون والمبادرات العلمية يمثل خطوات محورية لتعزيز كفاءة الكوادر البشرية ودعم المؤسسات الاقتصادية والخدمية، والمساهمة في إعداد قيادات شابة ذات مستوى عالٍ من التأهيل، انسجاماً مع رؤية القيادة السياسية التي انطلقت منذ عام 2014 لتمكين الشباب بالمهارات التي يتطلبها سوق العمل المحلي والعالمي. كما تتسق هذه المبادرات مع أهداف رؤية مصر للتنمية المستدامة 2030، التي تضع الشباب في صدارة القوى المحركة للنمو، وتعزيز تحقيق أبعاد التنمية الثلاثة: الاقتصادي، والاجتماعي، والبيئي.
وفي الختام، فإن تعميم مثل هذه التجارب على نطاق أوسع في مختلف قطاعات الدولة، كالصناعة، والطاقة، والزراعة، والسياحة والبيئة، …الخ، من شأنه أن يخلق منظومة تعليمية اقتصادية متكاملة، قادرة على إعداد كوادر متخصصة تواكب المتغيرات العالمية وتدعم مسيرة التنمية في مصر على المدى الطويل.