بقلم أ.د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة
أقامت جامعة القاهرة هذا الأسبوع فعالية هامة تحت عنوان: «نحو سياسة وطنية للموارد التعليمية المفتوحة في مصر: رؤى من التجارب الإقليمية»، نظمتها كلية الدراسات العليا للتربية بالتعاون مع اللجنة الوطنية المصرية للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو-الكسو-ايسيسكو). وقد شاركت في افتتاح هذه الفاعلية في حضور نخبة من الخبراء وممثلي منظمة اليونسكو من لبنان، ليبيا، المغرب، قطر، الإمارات، فلسطين، البحرين، تونس، ومصر، وذلك لتبادل الخبرات حول أفضل السبل لتطوير سياسات خاصة بالموارد التعليمية المفتوحة وعرض أفضل الممارسات العالمية والإقليمية في هذا المجال.
وتعتبر الموارد التعليمية المفتوحة من المفاهيم الحديثة في التعليم حيث بدأ استخدامها مع التطور الرقمي والتوسع في استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. وهي عبارة عن مناهج وبرامج دراسية، وكتب، ومحاضرات، ومواد تعليمية، وبحوث منشورة رقميًا ومتاحة مجانًا للجميع بدون تكاليف مالية، ويمكن استخدامها وإعادة توظيفها بحرية لأي غرض تعليمي أو بحثي، بشرط الالتزام بحدود الاستخدام المسموح بها والمعلن عنها في رابطها الإلكتروني. والهدف من إتاحة هذه الموارد للجميع هو تعزيز الوصول العادل إلى المعرفة، وتقليص الفجوة المعرفية، ودعم الابتكار في التعليم والتعلم، بما يسهم في بناء مجتمعات أكثر معرفة وتمكينًا، ويحقق الهدف الرابع من أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والذي ينص على “ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع”.
وقد بدأ الاهتمام العالمي بالموارد التعليمية المفتوحة منذ مطلع القرن الحادي والعشرين، مع انتشار مبادرات عن استخدمه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT و أكاديمية خان الأمريكيتين، ثم توسع استخدامه في الكثير من الجامعات الأمريكية والأوروبية لتقديم محتوى رقمي مجاني وعالي الجودة ومتاح للجميع. وخلال جائحة كورونا، ازدادت الحاجة إلى الاعتماد على المصادر الرقمية المفتوحة لتعويض الانقطاع عن التعليم الحضوري، ما دفع المؤسسات التعليمية في مختلف دول العالم، بما فيها الدول العربية، إلى تطوير موارد رقمية مفتوحة لدعم التعلم عن بعد.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وكندا، وألمانيا، وأستراليا من الدول الرائدة في هذا المجال والأكثر إنتاجًا للموارد التعليمية المفتوحة وتستخدمها على نطاق واسع. وبالنسبة للجامعات الأكثر استخداما لهذه الموارد تأتي جامعات هارفارد وستانفورد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT و أكاديمية خان ، والجامعة المفتوحة ببريطانيا، حيث تقوم بتوفير مناهج ومحاضرات ومواد رقمية متاحة مجانًا للطلاب والباحثين في كل أنحاء العالم. وفي عالمنا العربي، بدأت بعض الجامعات، وخصوصا في الخليج العربي، في تبني هذه الموارد لتوسيع نطاق التعلم ودعم البحث العلمي.
وهناك فوائد عدة لاعتماد سياسات تشجع على استخدام هذه الموارد في التعليم والبحث العلمي حيث توفر تعليمًا أكثر عدلاً، ويضمن وصول المعرفة للطلاب في كل مكان دون قيود مالية أو جغرافية، كما يساعد في تعزيز البحث العلمي لأنه يتيح للباحثين الوصول إلى مصادر غنية ومتنوعة لتطوير دراساتهم وتحفيز الابتكار. هذا بالإضافة إلى كونه وسيلة لدعم التعلم مدى الحياة، حيث يمكن لأي متعلم أو محترف الوصول إلى محتوى تعليمي متكامل بغض النظر عن مستواه العلمي أو الدراسي. كما أن هذه الموارد تساعد الجامعات على تحديث برامجها التعليمية وتقديم محتوى متطور يواكب التطورات العالمية.
وعلى الرغم من كون هذه الموارد متاحة مجانًا، إلا أنها تخضع لرخص استخدام محددة لا يمكن تجاوزها، وهي تحدد ما إذا كان يمكن إعادة الاستخدام أو التعديل أو النشر التجاري. والمتجاوز لرخص الاستخدام وحدوده يعرض نفسه للمساءلة القانونية، حيث يجب على الطلاب والجامعات الالتزام بهذه القواعد، مع ذكر المصدر الأصلي عند الاقتباس أو إعادة الاستخدام، لضمان احترام حقوق المؤلفين وحماية الملكية الفكرية.
من المهم أن تتعاون الجامعات المصرية مع الجامعات التي لديها خبرة في هذا المجال من أجل الاستفادة من التجارب الدولية، بهدف بناء منظومة تعليمية رقمية أكثر انفتاحًا واستدامة، حيث إن الاستثمار في الموارد التعليمية المفتوحة هو استثمار في بناء نظم تعليمية مرنة وقادرة على مواجهة التحديات العالمية. فهذه الموارد التعليمية هي عنصر رئيسي في تحقيق العدالة التعليمية بين الجميع، وتعزيز البحث العلمي، وبناء مجتمع معرفي أكثر انفتاحًا وجودة، يتيح لكل المتعلمين والباحثين الوصول إلى مصادر المعرفة في كل مكان وزمان.








