مقالات كبار الكتاب

د. محمود السعيد يكتب .. جودة البيانات وأهداف التنمية المستدامة

بقلم د. محمود السعيد .. نائب رئيس جامعة القاهرة

فى فبراير 2016، تم إعلان رؤية مصر 2030، كأجندة وطنية تعكس الخطة الاستراتيجية للدولة المصرية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والمتمثلة فى تحقيق مستقبل أفضل للمصريين وتوفير حياة كريمة للجميع، والمضى قدمًا فى محاربة الفقر، والحد من تدهور البيئة، وتعزيز الصحة، والتعليم، والمساواة بين الجنسين. وتندرج تحت أهداف التنمية المستدامة مجموعة غايات تتفرع منها مجموعة مؤشرات رقمية عن التعليم، والصحة، والبنية الأساسية، وتوافر الخدمات للمواطنين، وغيرها من المؤشرات التى تظهر مدى الإنجاز المتحقق فى أهداف الخطة. وبطبيعة الحال، فإن توافر البيانات الموثوقة هو الأساس فى حساب هذه المؤشرات، والضامن لدقة قياسها، ومتابعة مسار تقدم أهداف الخطة.

وهكذا، يكون تحقق أهداف استراتيجية التنمية المستدامة دالة فى جودة ودقة البيانات المتدفقة لمراكز صنع القرار فى الدولة.

وعلى مدى عقود طويلة سابقة، غلبت على البيانات سمات ضربت بوضوح فى أهم مفردات الجودة من قبيل: عدم الدقة الشديدة فى البيانات المجمعة أحيانًا، ورداءة عرضها أحيانًا أخرى، وعدم تكاملية وشمول البيانات التى يرتكز عليها صناع ومتخذو القرارات، وأيضًا العمل كجزر منعزلة من جهات جمع البيانات وضعف تنسيقها، وعدم الالتزام بالتعريفات الدقيقة للمصطلحات، فضلاً عن المشكلات الخاصة بالتناقضات فى الإحصاءات الرسمية الصادرة عن بعض الجهات المختلفة. وبالنظر للواقع الحالى، لا تزال عملية جمع وتوفير البيانات فى مصر تواجهها بعض التحديات التى يحاول المختصون مجابهتها منذ فترة ليست بالقصيرة، من أهمها: ضعف وعى الأفراد والمؤسسات بأهمية البيانات، فحال إجراء الدراسات التى تستلزم الحصول على بيانات سواء باستبيان ومسح لآراء وتوجهات الأفراد والموظفين، أو بالعودة لموقع إلكترونى لمؤسسة أو أخرى، قد يحجم الأفراد أو المؤسسات عن المشاركة؛ خوفًا من عواقب استغلال تلك البيانات كما يعتقدون، أو على الأقل لعدم إيمانهم بأهمية هذه البيانات، ونتائج تحليلها لدعم متخذ القرار. كذلك فإنه من الوارد وجود أخطاء فى البيانات التى يتم الحصول عليها؛ إما لعدم دقة المستجيب أو معطى البيان، أو لعدم قيام بعض جامعى البيانات بدورهم بالشكل الصحيح، ولجوء قلة منهم لتلفيق البيانات، أو خطئهم فى إدخال البيانات على أجهزة الحاسب الآلى، أو فى تكويد ومراجعة استمارات الاستبيان، وغيرها من الأخطاء الشائعة.

ومن أسفٍ، قيام عدد كبير من الجهات بإجراء نفس الدراسة دون تنسيق الجهود وتقليل التكلفة، مع ما يصحب ذلك من اختلاف قيم، أو أرقام، أو طرق قياس فى نفس البيان من جهة لأخرى نتيجة اختلاف التعريف أو طريقة جمع البيان؛ مما يمثل تضاربًا يعيق الوصول لمعلومات دقيقة ينبنى عليها القرار الأمثل.

وبالرغم من المشكلات والتحديات المشار إليها آنفًا، والتى مازالت تمثل عائقًا أمام الاستفادة من البيانات بالشكل الأمثل، فإن فرص العلاج والتطوير قائمة، لاسيما مع انفتاح القيادة السياسية ومتخذى القرار، وإيمانهم العميق بأهمية هذه البيانات ودقتها؛ للوصول إلى معلومات متكاملة كمصدر رئيس لوضع خطط التنمية.

من ناحية أخرى، يُعد التحول الرقمى، واستخدام أجهزة التابلت من أهم السبل لتقليل أخطاء البيانات، وتوفير مجهود وزمن جمعها، وهو ما تبدى جليًّا فى التعداد السكانى الأخير فى 2017، الذى أظهر بوضوح أن الاعتماد على جمع البيانات بطريقة آلية بعيدًا عن التدخل البشرى، يقلل الأخطاء إلى الحدود الدنيا، ويرفع من درجة دقتها. وغنيٌ عن البيان، أن الحصول على البيانات آليًّا يتطلب الاهتمام بسياسات التعليم ومحو الأمية التى تعد من أكبر عوائق التقدم نحو وسائل آلية لجمع البيانات دون وسيط بشري. كما يتطلب الأمر حملات إعلامية لزيادة وعى المواطن بأهمية الإدلاء ببيانات دقيقة فى الاستبيانات الرسمية التى تطلب منه الحصول على بيانات شخصية، وهنا تظهر الأمية مرة أخرى كأحد حواجز هذا الوعي. كذلك، يجب التنسيق بين الجهات المختلفة لإنتاج البيانات والمعلومات ووضع تعريفات موحدة لها؛ منعًا لاحتمالية التضارب أو التكرار. كما يتحتم تدشين قاعدة بيانات قومية فى أحد أجهزة الدولة الإحصائية لتضم كل البيانات والإحصاءات والدراسات الاكاديمية والأبحاث التطبيقية؛ لتكون مرجعًا للجهات والمؤسسات والباحثين ومصدرًا لتفادى شبهتيّْ تكرار البيانات، وتضاربها. إن معدلات التنمية الاقتصادية العالمية تتأثر تأثرًا كبيرًا بموجة التحول الرقمى وعلاقته بمستوى جودة البيانات، فهناك عدد كبير من المؤشرات الإحصائية الدولية التى تعكس مستوى تقدم الدول – مثل مؤشرات تقارير التنافسية وتقارير التنمية البشرية- تعتمد فى حساباتها على القطاعات الاقتصادية الرقمية المرتبطة بالبيانات، مثل المنصات الرقمية، والمعاملات المالية غير النقدية، ووسائل التواصل الاجتماعى، وغيرها من القطاعات الرقمية المختلفة التى تمتاز بالقدرة والإمكانات على جمع البيانات لتبادلها ومعالجتها وتحليلها باستخدام مجموعة من أساليب الذكاء الاصطناعي؛ مما يتيح لهذه القطاعات تعزيز إمكاناتها، ومواصلة النمو والتوسع. وبالتالى، لم تعد مسألة دقة البيانات وجودتها – المرتبطة بعمليات جمعها، وتبادلها، ومعالجتها بشكل علمى ودقيق، وبحسب النظم والمقاييس المعترف بها عالميًّا- مجرد أنشطة جانبية نهتم بها لتوفير معلومات دقيقة لمتخذ القرار، بل تعدت أهميتها إلى التأثير المضاعف للبيانات على الاقتصاد؛ حتى إنها أصبحت أحد أهم محاور نمو العديد من الاقتصادات الناشئة، وأحد عوامل دعم تنافسية أى دولة فى العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى