أحمد المسلماني يكتب .. حرب الأفيون الثالثة… لماذا يجب أن نتحاور مع طالبان؟
كتب أحمد المسلماني
أصبح وزير المالية الأفغاني سائق سيارة أجرة في الولايات المتحدة. فالرجل الذي ذهب إلى أميركا من قبل لحضور اجتماعات البنك الدولي والتحدّث أمام صندوق النقد، ذهب إلى أميركا بعد سقوط الدولة الأفغانية ليعمل سائقاً حتى يتمكّن من إطعام زوجته وأولاده.
في الحوار المؤثِّر، الذي أجرته معه BBC في صيف 2022، قال إنّه كان عليه الاختيار بين البكاء على ما كان، أو البدء من جديد، فقرّر عدم البكاء.
الرجل الذي ذهب إلى أميركا من قبل لحضور اجتماعات البنك الدولي والتحدّث أمام صندوق النقد، ذهب إلى أميركا بعد سقوط الدولة الأفغانية ليعمل سائقاً حتى يتمكّن من إطعام زوجته وأولاده
بلاد الجوع والخوف
افتتحت أفغانستان أوّل صباح من عام 2023 بانفجار شديد وقع في مطار كابول، قُتل فيه عشرة أشخاص. في العام الفائت كانت تفجيرات داعش أفغانستان (تنظيم خراسان) متعدّدة ومروّعة: من المساجد إلى السفارات، ومن مكاتب المسؤولين إلى الفنادق والمؤسّسات.
منذ دخلت حركة طالبان قصر الرئاسة الأفغاني صيف عام 2020، أصبحت البلاد أرض الجوع والخوف. لا مكان آمناً في أفغانستان، لا في العاصمة ولا في الأقاليم، حتى المساجد قُتل فيها عشرات المصلّين ساجدين.
انهارت الحياة الاقتصادية في البلاد، وأصبحت أفغانستان البلد الأكثر جوعاً في العالم، حيث يبيع الناس بناتهم وأعضاءهم للحصول على قوت يومهم. ونقلت وسائل الإعلام قصصاً مفزعة عن دواء رخيص منتشر في الصيدليات يساعد على النوم بلا طعام. الآباء يطهونه لأطفالهم عندما يحلّ المساء! وفي ظلّ انتشار الجوع والخوف تنشغل حركة طالبان بمراقبة اللحى، ومنع الفتيات من التعلُّم، ومحو وجود النساء الاجتماعي.
حرب الأفيون الثالثة
ليس التطرّف أو الإرهاب أخطر ما يأتي من أفغانستان. فالمخدّرات هي الأكثر خطراً على العالم العربي من ذلك البلد البائس.
في أواسط القرن التاسع عشر خاضت بريطانيا حربَيْن ضدّ الصين لإجبارها على استيراد الأفيون: حرب الأفيون الأولى في الأربعينيات، وحرب الأفيون الثانية في الخمسينيات.
حين فتحت الصين أسواقها للتجارة “العاديّة” بدأت بريطانيا تفقد رصيدها من الفضّة، بسبب زيادة وارداتها من الصين، فقرّرت زراعة الأفيون في الهند التي كانت مستعمرة بريطانية وتصديره إلى الصين. وهكذا راح الصينيون يبيعون منازلهم بعد إدمان الأفيون. لذا فقدت الصين رصيدها من الفضّة الذي تراكم في بريطانيا. فقرّر الإمبراطور الصيني الذي رأى شعبه ينهار منع استيراد الأفيون، فشنّت بريطانيا الحرب على الصين. ولمّا أصدر قراراً جديداً بمنع استيراد الأفيون وقعت حرب الأفيون الثانية.
زراعة الخشخاش هي الزراعة الرئيسية في أفغانستان، التي تعدّ أكبر منتج للأفيون في العالم، ويوجد في إقليم “هلموند” وحده 80% من إنتاج الأفيون العالمي. في مقدور أفغانستان أن تشنّ “حرب الأفيون الثالثة”، التي لن تكون هذه المرّة حرباً رسمية أو علنية، لكنّها ستشبه سابقتَيْها في ملء جيوب البعض في أفغانستان بالدولار، وستدفع ملايين السكان في العالم العربي إلى غياهب المخدّرات.
عهد طالبان الثاني
في عهد طالبان الأوّل من عام 1996 إلى 2001، عملت حركة طالبان على وقف زراعة الخشخاش وإنتاج الأفيون في أفغانستان. وقد انخفضت الزراعة والإنتاج بشكل كبير، لكنّ ذلك عاد في عهد الاحتلال الأميركي.
يقول الأفغان إنّ طالبان هي التي عادت ورعتْ زراعة الخشخاش لمواجهة الأميركيين في سنوات الاحتلال، وكانت تحصّل من المزارعين “ضرائب الأفيون”، وكانت تعادل 10% من الإنتاج الزراعي!
كانت هناك ضرائب أخرى يسمّيها السكّان المحليون “ضرائب الهيرويين” التي تفرضها طالبان على المعامل التي تحوّل الأفيون إلى هيرويين.
في عهد طالبان الثاني الذي بدأ عام 2020، اتّبعت الحركة سياسة تحسين صورتها من أجل الحصول على الاعتراف العالمي والاستفادة من المعونات الدولية. في ربيع 2022 أصدرت طالبان قراراً بحظر زراعة الخشخاش رسمياً في أفغانستان، وتضمّن القرار حظر نقل أو استيراد أو تصدير كلّ أنواع المخدّرات.
طرحت الحركة شعار “القمح مكان الأفيون”، وطالب قادتها السكّان بزراعة القمح والفاصوليا والمحاصيل الغذائية محلّ الخشخاش. بثّ إعلام طالبان مقاطع لجرّارات تدمّر زراعات الخشخاش. لكنّ الناس تحدّثوا إلى محطة تلفزيون “فرانس 24” قائلين: “من أين نطعم أولادنا؟ لن نحصل على عائد من القمح يكفي لحياتنا، في السابق كانت طالبان تسمح بذلك وتأخذ العوائد منّا، واليوم تمنع ذلك وتقطع أرزاقنا”.
آسيا الوسطى 2023
تخشى دول الجوار الأفغاني من حرب الأفيون الجديدة. في آسيا الوسطى يؤكّد المسؤولون أنّ تدفّق المخدّرات من أفغانستان تضاعف عام 2021 مع وصول طالبان إلى السلطة. ففي طاجيكستان ضُبطت كميّة هائلة من المخدّرات. وفي الربع الأول من عام 2022 ضُبط 15 ضعف الكمية السابقة في المدّة الزمنية نفسها.
تخشى دول آسيا الوسطى، ولا سيّما أوزبكستان وطاجيكستان، من خطر حرب الأفيون الجديدة، ومن كمّيات المخدّرات غير المسبوقة التي تتّجه نحو بلادهم، ويتوقّعون زيادتها عام 2023.
القاهرة – الرياض
من بين أكبر 10 دول تعاني أزمة المخدّرات توجد 5 دول إسلامية وفي العالم العربي. تستهدف حرب الأفيون الجديدة على نحو خاص مصر والسعودية، وهما من الدول العشر الأولى المستهدَفة في العالم في هذه الحرب.
إنّ مصر والسعودية هدف رئيسي للمخدّرات بكلّ أنواعها، وليس “الكبتاغون” إلا عنواناً جديداً لها. وحسب السفارة السعودية في لبنان، أحبطت المملكة في السنوات القليلة الأخيرة شحنات تحتوي ما يزيد على 600 مليون حبّة مخدّرات. وحسب تعبير السفير السعودي في بيروت، فإنّ الكمّية التي تمّ ضبطها لا تكفي لإدمان السعودية وحدها، بل تكفي لإدمان المنطقة بأكملها.
في “حوار العام” الذي أجراه موقع “أساس” مع السيد عمرو موسى، قال الأمين العامّ السابق للجامعة العربية إنّ مصر والسعودية يمكنهما أن يشكّلا عنواناً للعالم العربي. ويبدو أنّ حرب الأفيون الجديدة المقبلة من أفغانستان إلى إيران إلى شرق المتوسط، ومن الميليشيات الحوثية إلى الميليشيات الليبية، تشكّل في مجموعها دائرة لهبٍ خطيرة تستهدف هذا العنوان.
ليس التطرّف أو الإرهاب، ولا حتى التضخّم أو الركود، هي أخطر ما يواجه العالم العربي. فالمخدّرات تسبق هذه المعضلات في سُلَّم التهديدات، ومن المثير أنّ أفغانستان تجمع التطرّف والمخدّرات معاً.
لهذا السبب الكبير يجب ألّا نترك أفغانستان وحدها في مواجهة مصيرها حتى لا تهدّد مصيرنا. إنّ عزل طالبان ليس حلّاً، بل يجب أن نتحاور مع هذه السلطة المتطرّفة مهما كان الحوار صعباً. فالخطر مقبل من هناك. وفي مقدورهم تدمير شبابنا عقلاً وجسداً، وتهديد مستقبل أجيال بأكملها.
يجب أن نذهب إلى إزالة القمامة من المنبع، لا الانتظار حتى يتلوّث المصبّ.
حماية المستقبل تبدأ من كابول.
بواسطة أحمد المسلماني .. نشر في أساس ميديا