مقالات كبار الكتاب

فقدنا «المحجوب»

كتب عبد اللطيف المناوي

بوفاة اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، تكون مصر قد فقدت أحد رجالها المخلصين للغاية. سيرة هذا الرجل طويلة ومتعددة ومتشعبة، كلها نجاحات فى كافة الأفرع والمناصب التى التحق بها وشغلها. أهل الإسكندرية يعلمون جيدًا ما حققه الرجل على صعيد صورة المدينة وبنيتها التحتية. يعلمون أن المدينة الساحلية فى عهده تغيرت وتحولت إلى الأفضل والأجمل من بين عشرات المدن المُطِلّة على البحر الأبيض المتوسط ليس فى مصر فحسب، بل فى الحوض كاملًا. يعلمون أن معظم فترة وجوده محافظًا لها كانت أقل الفترات حدوثًا للأزمات.

لـ«المحجوب» إسهامات أكبر أثناء توليه حقيبة وزارة التنمية المحلية. فى عهده كان هذا الملف تحت السيطرة، وذلك بإعطاء الضوء الأخضر للمجالس المحلية والمحافظين للعمل بكل قوة ومركزية لتحقيق آمال سكان المحافظات، وتحديدًا النائية منها. فى ديوان الوزارة يحفظون له حسمه وحزمه فى المواقف التى تحتاج إلى ذلك، وأبوته وحنوه فى مواقف أخرى.

حتى ما هو قبل ذلك، وتحديدًا تاريخه فى تدريب وتأهيل أحد أبرز الرجال الذين جنّدتهم المخابرات المصرية، أحمد الهوان، الشهير عند الشارع المصرى بـ«جمعة الشوان»، وفقًا للمسلسل الذى حكى سيرته، وكانت هذه هى جزءا بسيطا للغاية من مهامه الكبرى، فى تلك الفترة.

هذا على المستوى العام، وعلى المستوى الشخصى، فقدت صديقًا عزيزًا، وأخًا أكبر، كان لا يبخل فى إسداء النصيحة، وحتى آخر أيامه كانت تجمعنا مناقشات طويلة ومستمرة فى الشأنين العام والخاص. كان لا يدخر وقتًا أو جهدًا لإبداء رأيه فى كل القضايا الدولية والإقليمية. كان ذا خبرة كبيرة بالشأن السورى والليبى والعراقى، بل كل الشأن العربى ووضع مصر الإقليمى. كان يتحدث فى نشأة وجذور الصراعات الدولية والإقليمية بعين الخبير المتمكن المتمرس.

على المستوى الشخصى، فقدت نافذة كنت أطل منها على العالم، بآراء حكيمة وهادئة، بعيدة تمامًا عن تشنجات مواقف آخرين. أقول كذلك، وكم تمنيت أن يسجل الراحل مواقفه فى شريط مرئى، أو أن يسجل كل قصص حياته وبطولاته فى وسيط مكتوب أو مسموع أو مرئى حتى يعرف الناس مَن هو اللواء محمد عبدالسلام المحجوب، فهو فقط ليس الريس زكريا فى مسلسل «دموع فى عيون وقحة»، وهو ليس فقط واحدًا من أهم محافظى الإسكندرية، وهو ليس فقط واحدًا من أهم مَن تولوا حقيبة وزارية، وهو كذلك ليس صديقًا عزيزًا فحسب، بل هو أكثر من ذلك بكثير. هو واحد ممن صنعوا تاريخ هذا البلد، ولهذا أقول إننا فقدنا «المحجوب».
[email protected]

بواسطة عبد اللطيف المناوي … نشر في المصري اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى