مقالات كبار الكتاب

مرمرة “السليماني وعبد المنعم رياض”

سقف الوعيد وواقعية الثائر

بقلم حسن غزالي – عضو اللجنة المصرية للتضامن الافرواسيوية

توطئة:
لا أدعي أن الصدام الحالي، بين إيران – كقوي اقليمية – والولايات المتحدة الأمريكية – كقوي عالمية –، بمثابة تمثيلية هزلية ولا أدعي أنها دقات لطبول الحرب، لكني أعتبرها – علي عكس الجميع – صفقة ، بموجبها ستقوم إيران بإعادة تفعيل برنامجها لتخصيب اليورانيوم، أو الحد من وطأة القيود المفروضة على برنامج الصواريخ أو قيود أخري لا نعلم عنها شيء .

علي الجانب الاخر ظلت ايران وتركيا مخلب قط لصالح القوي الكبري -او الاستعمارية كما كان يطلق عليها وقتها- فى عنق النظام العربي، استطاعت مصر بعد ثورة ١٩٥٢ ان تحجمها وتكسر تلك الاشكال من التحالفات بعدة اشكال سياسية اعادت تشكيل المنطقة برمتها اهمها اتفاقية الدفاع العربي المشترك.

لكن ليس ذلك هو مقصدنا من المقال، فقد أردت الذهاب إلي “ثلاث حوادث” تاريخية مشابهه في المضمون بردود فعل مختلفة سنحاول قرائتهم في سياقهم بشكل متوازي ، وهم بالتسلسل التاريخي :-

الاول: اغتيال الشهيد البطل الفريق أول عبد المنعم رياض “رئيس أركان القوات المسلحة المصرية”.
الثاني : اغتيال قاسم السليماني “قائد الحرس الثوري الإيراني”.
الثالث: مجزرة أسطول الحرية والمعروفة باسطول الحرية مرمرة.

*عبدالمنعم رياض
كانت مدينه الاسماعيلية – منذ هزيمة ١٩٦٧ وحتي حرب التحرير ١٩٧٣ – تعد جبهة حرب مع العدو آنذاك، وكان للقوات المسلحة المصرية والفدائين اليد العليا خلال حرب الاستنزاف، إلا أن استشهاد الفريق عبد المنعم رياض كان صاعقة للجميع وعلى رأسهم الرئيس “جمال عبدالناصر”.

**قاسم السليماني
على إثر اقتحام السفارة الامريكية فى بغداد أفادت تقارير إعلامية أن طائرات امركية مسيرة عن بعد نفذت اغتيال السليماني علي الاراضي العراقية برفقه المهدي المهندس. وكما هو استقر فإيران تعتبر العراق -الجريح- محيط طبيعي جيوإستراتيجياً لها في الشرق الأوسط تتلامس فيه بخشونه حذرة مع النفوذ الامريكي وقوات التحالف.

*اسطول الحرية
قامت القوات الاستطانية بمهاجمة الاسطول وقتل أكثر من 10 نشطاء مدنين وقد ضم أسطول الحرية ٦ سفن حملت حوالي ما يقرب من 750 ناشط من 37 دولة حول العالم، من ضمنهم أكثر من 15 برلمانياً وأكثر من 60 صحفياً دولياً، بالإضافة إلى فنانين وناشطين حائزين على جوائز نوبل للسلام. محملين بـــ 6000 طن من المساعدات الإنسانية لكسر الحصار الذي فرض علي الأراضي الفلسطينية بقطاع غزه وقتها وقد اثارت الواقعة الرأي العام العالمي مما شكل ضغط قويقامت الحكومة الاستيطانية على اثرة بتشكيل لجنه تقصي حقائق.

ماذا حدث لهؤلاء ؟

** نهار غائم يوم 9 مارس ١٩٦٩، قامت قوات الاستيطان بضرب -النقطة رقم (٦) بموقع المعدية التابعة لمدينة الإسماعيلية – الجبهة المصرية -، وذلك خلال زيارة ثالث أكبر قيادة عسكرية وهو الشهيد البطل “عبد المنعم رياض” رئيس أركان القوات المسلحة المصرية، والمشرف علي خطة تدمير خط بارليف، وهي الخطة التي بدأت قبل يوماً واحداً من استشهاده، وهو الذي أشرف عليها شخصياً قبل نيل الشهادة، وكانت النقطة رقم (٦) تبعد (٢٥٠ متر) عن أقرب تمركز للعدو.

فى مساء يوم 3 يناير 2020، استهدفت طائرات أمريكية مسيرة عن بعد عربتان قرب مطار بغداد تقلان كل من الجنرال -لم يحصل علي درجة علمية عسكرية- قاسم السليماني “رئيس فيلق الحرس الثوري الإيراني” ومعه أبو مهدي المهندس “نائب رئيس قوات الحشد الشعبي” في العراق وصاحب الدور الأكبر في القضاء علي داعش، وانتهي الأمر بمقتل الاثنان .

فى فجر يوم الاثنين 31 مايو 2010، قامت القوات الاستطانية بمهاجمة أسطول الحرية فى المياة الدولية، وتحديداً السفينة الأكبر ذات الجنسية التركية، والتي سميت القافلة بإسمها “مافي مرمرة” وكانت تحمل العدد الاكبر من النشطاء، وقد أسفر الهجوم عن عدد قتلي لا بأس به تشير المصادر إعلامية موثقة -CNN- انهم 10 اشخاص وأخري غير موثقة اشارت الى 19 قتيل بخلاف عشرات الجرحي.

كيف كانت ردود الفعل؟

بعد علم جمال عبد الناصر بحادث استشهاد الجنرال الذهبي، يقال أنه بكي وأردف قائلا ” أن ظهرة قد انقسم”، وأمر بجنازة عسكرية وشعبية مهيبة انطلقت من ميدان التحرير وتقدمها جمال عبد الناصر بنفسه ورؤساء الدول الصديقة.

على مدار عدة أيام متواصلة بعد حادث مقتل قاسم السليماني، توعدت إيران بالثأر، ورفعت الراية الحمراء في إشارة إلي أن الثأر قادم لا محالة، وتوالت البيانات الصحفية الرسمية التي هددت بالوعيد الفارسي تجاه كل ما هو أمريكي في المنطقة، بل امتد الوعيد الي حلفاء أمريكا أيضا .

وفى حالة أسطول الحرية، صرح “رجب طيب أردوغان” رئيس الوزراء التركي آنذاك – قبل أن يعدل نظام الحكم ليصبح رئاسي بدلاً من النظام البرلماني- بأن “هذا الهجوم الذي قامت به إسرائيل، مهما كان السبب الدافع له، هو إرهاب دولة وانتهاك صارخ للقانون الدولي، يكشف بجلاء حقيقة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية غير راغبة في تحقيق السلام في المنطقة. وقامت تركيا بتخفيض علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل وأوقفت العمليات التجارية معها في مجال الدفاع “مؤقتا”.

ما الفرق بين الثأر ومطاحن بلا رحايا ؟

١٩ أبريل من عام ١٩٦٩، وهو اليوم الموافق للذكري الأربعين لاستشهاد الجنرال الذهبي “عبد المنعم رياض”، قامت (الفرقة ٣٩ قتال) بقيادة الشهيد -فيما بعد – إبراهيم الرفاعي، بأمر مباشر من جمال عبد الناصر، بتنفيذ عملية (لسان التمساح) ثأراً لعبد المنعم رياض، والتي استهدفت نقطة العدو الحصينة التي قامت بضرب الجنرال الشهيد، وخلال ساعات سطرت القوات المسلحة المصرية عامة والفرقة ٣٩ قتال خاصة، صفحة مرجعية ناصعة في الثأر لشهدائها.

فوجيء العالم في الساعات الأولي من فجر يوم الموافق بإطلاق الجمهورية الإيرانية عشرات الصواريخ الباليستية قصيرة المدي مستهدفة القواعد العسكرية الأمريكية المتواجدة في اربيل والانبار العراقية ثم أعقبت الهجمة الأولي هجمة ثانية، حبس العالم أنفاسه ظنا منه ان الحرب العالمية الثالثة علي وشك الاندلاع ثم تتابعت النشرات الرسمية والتي تضمنت جلاء القوات الامريكية من العراق وأن الرد الامريكي تجاه طهران سيواجه برد ايراني تجاه العمق الامريكي.أسفرت الهجمات الإيرانية وما تلاها من تهديدات بضرب العمق الأمريكي ، هذا وقد أسفرت الهجمات الإيرانية كما صرحت الولايات المتحدة بعدها بعدم وجود أي خسائر بشرية نتيجة الضربة الإيرانية، مع وجود تلف في المعدات العسكرية بالقاعدة، تلاها بعدة أيام تصريحات متبادلة من الطرفين بالتهدئة.

في 22 مارس 2013 وبعد 3 سنوات من الحادث تقدم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بالاعتذار لنظيره التركي رجب طيب أردوغان خلال مكالمة هاتفية على الهجوم، وتقبل أردوغان الاعتذار، واتفقا على إعادة العلاقات الدبلوماسية وتطبيع العلاقات،وذلك بعد توسط الرئيس الامريكي وقتها باراك أوباما للصلح بين الطرفين، وفي 9 ديسمبر 2016 بعد 3 سنوات اخري، أسقطت الدعوى ضد 4 ضباط إسرائيليين، كانوا يحاكمون غيابيًا في قضية الهجوم على السفينة، وذلك نتيجة لما نص عليه اتفاق إعادة تطبيع العلاقات الذي أبرم في يونيو 2016 بين أنقرة وإسرائيل، والذي يقضي بموافقة إسرائيل على دفع مبلغ 20 مليون دولار تعويضات لضحايا الغارة، وبالمقابل لن يتحمل المواطنون الإسرائيليون أي تهم جنائية أو تبعات مالية جراء هذه الحادثة. وتم استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

فيما أسفرت عملية لسان التمساح عن خسائر لوچيستية للعدو وخسائر نفسية أهمها رفع العلم المصري علي (النقطة ٦) لمدة ثلاثة أشهر كاملة، وخسائر بشرية وهي مقتل جميع قوات النقطة وعددهم (٤٤ فرد) من جيش الاحتلال، حتي أن الكيان الاستيطاني قام بتقديم شكوي رسمية الي الأمم المتحدة ضد ما سموه بالعمل الوحشي.

في النهاية بالمصري بنقول “البيعمل مابيقولش والبيقول مبيعملش”.

حسن غزالي
عضو اللجنة المصرية للتضامن الافرواسيوية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى