كتب جودة عبد الصادق إبراهيم
صدر حديثاً رواية أعوام الرماد – “يوميات الأستاذ فهيم” .. للكاتب “بسام نجاح ماهر” هذه الرواية موجهة إلى كل موظفٍ سرقته الوظيفة، وتعامل بشخصيةٍ غيرِ سويةٍ، ليشعر كل موظفٍ وكل عامل في أي مكان –مرموقًا كان أو غير مرموق- أن كل خطوة يخطوها سيعلمها الجميع ولو بعد حين، وسيحاسَب عليها إن خيرًا فخير وإن شرًّا فشر.
-فما أكثرَ الرجالِ الذين ترفعهم المناصبُ ولا ترفعهم النفوس الطيبة، وتعلو بهم المراتب ولا يعلو بهم الخُلق الرفيع!
-ومن هؤلاء رجلٌ يُدعى فهيم، كان فهيم مديرًا ذائع الصيت؛ لا لأنه في موقع ذي أهمية؛ بل بهالةٍ نسجَها حول نفسه من صِلاته الوثيقة بأصحاب النفوذ، تلك الصِّلات التي أضفت عليه سلطةً غير مكتوبة، ونفوذًا لا يُدرَج في محاضر الاجتماعات، لكنه نافذ الكلمة، ماضي التأثير.
-ومع الأيام، ترسَّب في ضميره أنه ليس مجرّد موظف يُسيِّره جدول المهام، بل هو -في خياله- ركنٌ من أركان هذا الصرح، وحَجر الزاوية في بنيان دار النشر.
فكبر في عين نفسه، واتّسع في أذنه صدى صوته، حتى صار يتحدث بخُيلاء.
ولعلّ أفدح ما أفسد عليه أمره -دون أن يدري- أن الزملاءَ تغاضوا عن استعلائه، وسكتوا عن غروره، حتى ظنّ الصمت إذعانًا، والسكوتَ طاعة، فتمادى؛وذاك داء كل مغرور:
-أن يُخدع بوهج السلطة المؤقتة.
-وينسى أن الناس لا يهابونه، بل يتجنَّبونه، ولا يُعظِّمونه بل يتحمَّلونه، وأحيانًا بامتعاضٍ.
• وهكذا ظلّ فهيم يسوسُ الناس على وجوه ثلاثة:
-وجه يزمجرُ على البسطاء؛ ويجدفيه منتهى لذته.
– ووجهٍ يتغنّى في حضرة النساء.
– ووجه يتملَّق به أصحاب النفوذ.
ظل على تلك الحال يصادق المفسدين والمتكبرين حتى ألقى به حظه العثِّر إلى غياهب السجون.
جلس يتحسر وعزم على أن يستيقظ من غفلته.
-ولأول مرة منذ أعوام الرماد، شعر أنّه يستحق أن يُسامَح.
-أمسك بدفتره الذي أهمله طويلًا، ففتحه ببطء، كأنّه يفتحه على الحياة من جديد، وكتب بخطٍّ مُرتَجف، لكنه واثق:
-فهيم… بدأ يتعلّم.
-ثم كتب تحتها:
-“الكرامة لا تُنتزع من الآخرين، بل تُصان داخل النفس.
-والعطاء ليس ضعفًا، بل امتياز لا يحظى به إلا النبلاء.
-والحياة ليست سوقًا للربح، بل طريقًا للتزكية.
– العفو ليس ضعفًا لكنه منَّة من الله، ودليلٌ على النفس الطيبة.
-التغافل وحسن الظن نعمة تريح القلب.
ونهض عن مقعده، لا كمن سئم الحياة، بل كمن ذاقها بمرارتها، فعرف طعم العافية، وتاق إليها.
مشى خطواته الأولى في دربٍ جديد، حيث لا صوتٌ يُعلو على الضمير، ولا مجد بلا حب، ولا معنى للحياة إلا حين تُفهم ونعيشها بحب؛ لا حين تطمع النفس وتَستغل.
-لقد خرج من أعوام الرماد…
-وفي عينيه، تبرق بارقةُ حياة.
-وبذور خيرٍ توشك أن تنبتَ، وتؤتي أُكُلها، ويذوب الرماد ويمَّحي.
الكاتب بسام نجاح ماهر








