بقلم: د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة
في المقالين السابقين من هذه السلسلة، استعرضنا أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، وأوضحنا كيفية استخدامها بصورة مسؤولة وأخلاقية وبشكل يحفظ نزاهة البحث وجودته. وفي هذا المقال، نتناول بالتفصيل إحدى الأدوات المتقدمة التي وردت في الدليل الاسترشادي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي الصادر عن المجلس الأعلى للجامعات، وهو تطبيق Scopus AI Insights، الذي يُعد من أهم وأفضل الأدوات الحديثة القادرة على إحداث نقلة نوعية في مساعدة الباحثين لإعداد بحوثهم العلمية.
تأتي أهمية هذا التطبيق من اعتماده بشكل حصري على قاعدة بيانات Scopus الشهيرة وذات الثقة العالمية، حيث إنها أكثر قواعد البيانات العالمية توثيقًا وتنظيمًا. ويهدف Scopus AI إلى تمكين الباحث من الوصول بشكل سريع ودقيق إلى الأدبيات العلمية المرتبطة بموضوع بحثه، ويقوم بتقديم ملخصات موجزة للمقالات والدراسات في الأدبيات السابقة، مما يتيح للباحث فهم المحتوى واستيعاب أهم نتائجه في وقت أقل، وبصورة آمنة وموثوقة. كما يساعد على اختيار الدراسات الأكثر صلة بموضوع البحث، دون الحاجة إلى قراءة كمّ هائل من الأوراق البحثية بالطريقة التقليدية، وهو الأمر الذي ما زال يمثل تحديًا كبيرًا للباحثين في مختلف التخصصات حتى اليوم.
ولا تقتصر قدرات التطبيق على تقديم ملخصات فورية للمحتوى العلمي للبحث، بل يتجاوز ذلك إلى تقديم خرائط مفاهيمية تفاعلية توضّح طبيعة الأرتباط بين الموضوعات والكلمات المفتاحية. هذا النوع من التصور البصري يساعد الباحث على استكشاف مسارات جديدة في حقله العلمي، ورؤية العلاقات المخفية بين المفاهيم.
كما يتيح Scopus AI Insights الوصول إلى الأوراق الأكثر تأثيرًا في موضوع البحث، مع تحديد أبرز الخبراء الذين يقودون البحث العلمي في هذا الموضوع. وهو بذلك يدعم الباحث في بناء شبكة معرفية قوية مع الخبراء في موضوع البحث، سواء من خلال تتبع الأعمال الأكثر استشهادًا أو التعرف على فرص التعاون العلمي المحتملة.
وفي نقاط موجزة يقدم هذا التطبيق الذكي للباحث المهام التالية
1. مراجعة أدبية سريعة وفعّالة: حيث يقوم التطبيق بغربلة كميات ضخمة من الأدبيات العلمية، وهي مهمة عادةً ما تستنزف وقتًا كبيرًا من الباحث، فمن خلال الملخصات الفورية وإنشاء تقارير شاملة للموضوعات، يوفر Scopus AI أيامًا طويلة من الجهد المبذول في المراجعة الأولية للأبحاث.
2. تقديم محتوى موثوق وقابل للتحقق: حيث يستند التطبيق حصريًا على قاعدة بيانات Scopus المُحكمة، مما يقلل بشكل كبير من مخاطر «الهلوسة» المرتبطة ببعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثل Chat GPT والتي قد تنتج مصادر وهمية غير موجودة بالفعل في الأدبيات. جميع النتائج والادعاءات الواردة في المخرجات قابلة للتتبع، إذ يوفر التطبيق الروابط الأصلية للمصادر لإمكانية التحقق والمراجعة.
3. رؤى واكتشافات معمّقة: حيث يزود التطبيق الباحث بنظرة شاملة في مجاله العلمي، ويكشف عن الاتجاهات البحثية الناشئة، والفجوات في الأدبيات، والروابط غير الواضحة بين الموضوعات. هذا النوع من الرؤى يساعد في تحديد موضوعات بحثية جديدة، وصياغة أسئلة علمية أصيلة.
4. البحث بلغة طبيعية: فلا يحتاج الباحث إلى استخدام أوامر معقدة أو كلمات مفتاحية للبحث، بل يكفي أن يطرح سؤاله بلغة محادثة طبيعية لكي يحصل على إجابات دقيقة عن موضوع بحثة والأدبيات المرتبطة به، وهو ما يسهم في توسيع دائرة المستفيدين من التطبيق، خصوصًا الباحثين المبتدئين أو أولئك الذين ينتقلون إلى مجالات جديدة.
5. تحديد المصادر الأساسية والخبراء البارزين: حيث يوفر التطبيق قائمة بالأعمال الأكثر تأثيرًا في أي مجال، إلى جانب تحديد أبرز الباحثين الذين يشكلون المرجعيات العلمية في التخصص، وهو ما يجعل عملية التعمق في الأدبيات أو التواصل العلمي مع الخبراء أكثر كفاءة وتنظيمًا.
6. تصور العلاقات وإنتاج خرائط مفاهيمية: من خلال الخرائط الذهنية التفاعلية، يتمكن الباحث من فهم العلاقات بين المفاهيم بطريقة بصرية تساعد على تحليل المواضيع المعقّدة والمتداخلة بشكل أسهل وأكثر وضوحًا.
7. دعم شامل لسير العمل البحثي: لا يقتصر دور Scopus AI على المراحل الأولى للبحث، بل يمتد ليشمل توليد الأفكار البحثية، وصياغة هيكل الورقة العلمية، وتحليل الاتجاهات، وأحيانًا اقتراح مصادر للتمويل البحثي، مما يجعله بمثابة مساعد بحثي متكامل.
في الختام نؤكد أن Scopus AI Insights هو أداة مساعدة قوية تدعم الباحث ولكنها لا تستبدله، حيث يتولى هذا التطبيق الذكي المهام المرهقة للباحث والتي تتعلق بمعالجة بيانات الأدبيات وتحليلها، بينما يبقى الجانب الإبداعي والنقدي والابتكاري من مسؤولية الباحث نفسه. وهكذا تُسهم الأداة في تحرير وقت الباحث ليتركز على جوهر العملية البحثية: التفكير العميق، وتفسير النتائج، وبناء المعرفة الجديدة.
