كتب جودة عبد الصادق إبراهيم
في لحظة استثنائية على الصعيد الثقافي والإعلامي العالمي، انعكس اهتمام صحف فرنسا وقنواتها التلفزيونية بشكل واسع على افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يقف اليوم شامخاً بجوار أهرامات الجيزة، كمَعلَم جديد يروي روائع الحضارة الفرعونية ويُجسّد عظمة مصر الحديثة في آنٍ واحد.
وأجمعت وسائل الإعلام الفرنسية على وصف الافتتاح، بأنّه أكبر حدث ثقافي تشهده مصر في القرن الـ 21، يجمع بين الفخر الوطني والرغبة في توظيف التاريخ لتعزيز الاقتصاد والقوة الناعمة المصرية.
Le GEM, le don de l’Égypte au patrimoine commun de l’humanité 👉https://t.co/qCYSBDslTW #Marianne pic.twitter.com/9PZDM3MwDC
— Marianne (@MarianneleMag) November 1, 2025
واجهة دولية ودور محوري
وفي مقالات الرأي والتحليل، حظي المشروع بالثناء على طموحه المعماري وتقنياته المُتقدّمة، واعتُبر شاهداً على قُدرة مصر على فرض حضورها الثقافي. وركزت وسائل الإعلام في فرنسا، مثل “لو فيغارو” و”يورونيوز” و”فرانس 24″، على الأبعاد الجيو‑ثقافية للمتحف، مُعتبرة أن عرض كنوز نادرة للمرة الأولى، مثل كنز توت عنخ آمون، يُشكّل لحظة استثنائية في تاريخ المتاحف العالمية.
وكتب مارتن دوما بريمو في يومية “لا كروا”، يصف الافتتاح “في مشهد مهيب جمع بين الرمزية الثقافية والبراعة السياسية، شهدت القاهرة مساء السبت الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، افتتاح المتحف المصري الكبير في حفل ضخم يوصف بأنه عرض للقوة الناعمة المصرية، بقدر ما هو احتفاء بالتراث الحضاري. وقد أرادت الدولة المصرية أن يكون هذا الحدث واجهة عالمية جديدة للبلاد، ورسالة سياسية تُعبّر عن استقرارها ودورها المحوري على الساحة الدولية”.
وأوضحت “لا كروا”، أنّ الحفل كان رسالة ثقافية ودبلوماسية للعالم، حيث تناوبت على مدار أكثر من ساعتين عروض موسيقية وضوئية ضخمة أضاءت مبنى المتحف المهيب، بينما حلّقت طائرات الدرون لتصوير المعابد الفرعونية من الأقصر إلى أسوان في مشاهد مُذهلة. وأمام حشد من نحو 80 زعيماً وملكاً من مختلف أنحاء العالم، ألقى الرئيس عبد الفتاح السيسي خطاباً رسمياً أكد فيه أنّ مصر “تكتب فصلاً جديداً من تاريخها الحديث باسم وطنها العريق”.
7 choses à savoir sur le Grand Musée égyptien du Caire avant son inauguration https://t.co/qyafHbCJPU
— franceinfo (@franceinfo) October 31, 2025
بين الفخر الوطني والدبلوماسية الثقافية
وأكدت الصحيفة الفرنسية، أنّ مصر سعت من خلال هذا المشروع إلى كتابة فصل جديد مُشرق من تاريخها الحديث. والحفل، الذي نقلته المنصّات العالمية مباشرة، لم يكن مُجرّد احتفاء أثري، بل عرضاً للقوة الناعمة المصرية ومُناسبة لتثبيت صورة الدولة كقوة استقرار وتأثير في الشرق الأوسط.
وبينما تمّ إطلاق حملة إلكترونية بعنوان “هدية مصر إلى العالم”، كان الحفل نفسه رسالة سياسية تعكس حضور القاهرة الدبلوماسي المُتنامي بعد قمة شرم الشيخ الأخيرة، وكقوة تمتلك أدوات تكنولوجية وثقافية حديثة في ذات الوقت. أما على المستوى الشعبي، فقد بدا الافتتاح مصدر اعتزاز للمصريين، الذين شعروا بالفخر تجاه تراثهم الفرعوني المعروض بهذه الصورة اللافتة، ورأوا في المتحف تجسيداً لنهضة حضارية تتجاوز التحدّيات الاقتصادية.
وتابعت “لا كروا” تقول، إنّ الحكومة تُراهن على أنّ فتح أبواب المتحف أمام الجمهور في الرابع من هذا الشهر سيُشكّل دفعة قوية لقطاع السياحة، الذي يُمثّل أحد أهم مصادر النقد الأجنبي في اقتصاد البلاد. وأشارت إلى أنّ شاشات التلفزة الحكومية بثّت حدث الافتتاح على مدار اليوم، مُذكّرة المُشاهدين بأنّ تمثال رمسيس الثاني، الذي يبلغ ارتفاعه 11 متراً ويستقبل الزوار في بهو المتحف، يرمز إلى أول معاهدة سلام عرفها التاريخ بين مصر والحيثيين عام 1259 قبل الميلاد.
هندسة ترمز إلى الخلود
وبحسب مجلة “ماريان” الفرنسية، يُشكّل المتحف الكبير “هدية مصر إلى التراث الإنساني المُشترك”، إذ يمتد على مساحة شاسعة على بُعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة.
ويستقبل الزوار تمثال رمسيس الثاني الضخم “كأنّه حارس للذاكرة الفرعونية الممتدة عبر العصور”. وقد جاء تصميم المبنى بمزيج من الهندسة الهرمية والرخام الشفاف وبمسارات مائلة تُشير إلى “رحلة صعود رمزية نحو المعرفة”.
🇪🇬 Le Grand Musée égyptien ouvre ses portes ce samedi au Caire, après des mois de report.
L'occasion de (re)découvrir notre édition spéciale de @ALafficheF24, en intégralité ici ➡️ [SHORTLINK]#gem #grandegyptianmuseum #cairo https://t.co/KoUQdWzDz6 https://t.co/YN6rM2IxUi
— FRANCE 24 Français (@France24_fr) November 1, 2025
عِلم وترميم وذاكرة
ومن جهتها، أشارت شبكة “فرانس أنفو” إلى أنّ المتحف يُعدّ الأكبر عالمياً المُكرّس لحضارة واحدة، إذ يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، من بينها مُقتنيات الملك توت عنخ آمون التي تُعرض كاملة لأول مرة منذ اكتشافها عام 1922.
وقالت الدكتورة جيهان محمد، مسؤولة أحد مختبرات الترميم، إنّ “المعمل مُكرّس لترميم روائع توت عنخ آمون، وهذه المرّة الأولى التي يُعرض فيها كل شيء معاً بعد قرن من اكتشاف المقبرة”. بينما أوضح الدكتور حسين كمال، مدير مركز الترميم، أنّ “المقبرة كانت فريدة لأنها الوحيدة التي وُجدت محتوياتها سليمة تماماً، والآن تُعرض كما كانت قبل آلاف السنين”.
AUDIO 🎧 Le grand musée égyptien du Caire, une histoire (aussi) française https://t.co/C9Ee5Xj96M
— franceinfo (@franceinfo) November 1, 2025
عظمة التاريخ المصري
وبدورها، وصفت مجلة “ماريان” المتحف بأنّه “مكان للذاكرة على مستوى عظمة التاريخ المصري”، وقالت إنّ دوره لا يقتصر على عرض الآثار، بل يُكرّس فكرة أنّ التراث الثقافي هو أحد مُحرّكات المُستقبل.
وأضافت أنّ “رؤية مصر لهذا المشروع، لا تنفصل عن سعيها لتأكيد دورها القيادي في الثقافة والبحث والعلوم الإنسانية في المنطقة”، مُعتبرة أنّ المتحف ليس مُجرّد صرح أثري، بل أداة دبلوماسية ناعمة تُعيد تعريف علاقة مصر بالعالم من خلال ثقافتها العريقة.
ويعكس هذا الإجماع الكامل والنادر للصحافة التقليدية والرقمية في فرنسا، كيف أنّ الإعلام الفرنسي رأى في افتتاح المتحف المصري الكبير قيمة رمزية وعالمية مُهمّة، ولحظة فارقة في تاريخ المتاحف، وكمشروع مصري محلي تحوّل إلى ظاهرة ثقافية، حاملاً رسالة استراتيجية لصورة مصر وحضارتها.
				







