
بقلم عبدالوهاب خضر
في هذا العالم المُزدحم بالأحداث والتحديات،يُواصل البعض إفساد مفهوم كلمة “الديمقراطية”، وتشويه صورتها ، والترويج لهذا المُصطلح على أنه مشبوه، ومصدر للسخرية والتهكم ، وعدم تَصّديق “كل اللي يجيب سِيرة الديمقراطية” ..ولعل فيلم “البداية” ،عام 1986 ، للمخرج صلاح أبو سيف رائد الواقعية، نجح في تجسيد هذا الواقع ، بإستخدم كلمة “الديمقراطية لتضليل البسطاء من الناس ، فإستغل “نبيه بيه” الذي أدى دوره الفنان القدير جميل راتب ، جهل “منطقة الواحة” ليدعم سُلطته فاستقطب أول ما استقطب ، الفلاح سليم، الذي أدى دوره الفنان حمدي أحمد، والعامل صالح ،الذي أدى دوره الفنان صبري عبد المنعم، وأقنعهما أنَّ خصمهما هو الشاب المثقف الوطني عادل “أحمد زكي”، وألصق به تُهمة الإلحاد والكفر لأنه ديمقراطي، والديمقراطيَّة كفر، وأنَّ من واجبهم مراقبته ، وإعلان العداء عليه، فاستخدم الدين وسيلة للسيطرة على الناس لدرجة أنَّ الفلاح في أحد مشاهد الفيلم يسأل عادل،شاهرًا غضبه، قائلاً:”هو أنت لمؤاخذة ديمقراطي؟!..
وفي عام 1913 أَرسىّ أبو الليبرالية فى مصر،وأفلاطون العرب، أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد،هذا الواقع -بدون قصد – ،حيث كانت ولا زالت قصته مع الديمقراطية على لسان كل سياسي أو كاتب يحاول السخرية من هذا “المُصطلح” ..فحين ترشح أحمد لطفي السيد نائبًا لمجلس النواب ، عن دائرة السنبلاوين ، بمحافظة الدقهلية كان المرشح المُنافس له محاميًا يتصف بالفهلوة واللعب بالبيضة والحجر ، ولم يجد وسيلة أمامه لفض الأصوات من حول خصمه القوى المثقف ،الذى أكدت حصافته ووعيه ووطنيته على فوزه المؤكد، إلا أن ينشُر بين أهل الريف أن أحمد لطفى السيد “ديمقراطى والعياذ بالله” ، وطلب منهم أن يسألوه في مؤتمر جماهيري عن كونه ديمقراطيًا أم لا ،وأجابهم السيد بكل ثقة وعِزة وكرامة قائلًا: ” أنا ديمقراطى صميم وعريق فى الديمقراطية ! “.. فأصابت الصدمة أهل القرية مما أدى إلى سقوطه في الإنتخابات ،والسبب للأسف،أنه “ديمقراطي والعياذ بالله”..”!!” ..
وفي هذا الزمان تسببت سياسات وتعامل البلدان الُكبرى،ومنظماتها الحقوقية حول العالم ،في فقدان كلمة ومضمون الديمقراطية ، للمصداقية ،أمام الرأي العام العالمي..فهي التي تتعامل مع قضايا وملفات منطقة الشرق الأوسط ، بإزدواجية في المعايير ،أو ما يُسميه أهل السياسة “الكيل بمكياليين”.. وتحت شعار الديمقراطية تُواصل تلك البلدان سياساتها الرأسمالية المتوحشة لنشر الفوضى في بلدان الشرق الأوسط ،وتقف صامتة أمام التصرفات الإحتلالية التي تضرب بحقوق الإنسان عرض الحائط..وبإسم نشر الديمقراطية المزعومة، يتم تفكيك الأوطان ، والسيطرة على ثرواتها ، وإعادتها إلى قرون سابقة ..لكن القاصي والداني يَعلم كيف ضاعت بلدان و”إتمسحت” من على الخريطة ، تحت شعار “تحقيق الديمقراطية والحرية” التي هي بريئة من هؤلاء..وهو ما يتطلب يقظة ووعي ،والإستفادة من الدروس التاريخية،وترسيخ الثقافة الحقيقية للمفاهيم والأهداف النبيلة للديمقراطية قولًا وفِعلًا ،والقائمة على العدالة وإحترام الرأي الأخر ، وكفالة الحقوق المشروعة ، وعدم التدخل في شؤون البلدان ذات السيادة ،وجميع الثوابت المرتبطة بهذا المفهوم الإيجابي ، وذلك عن طريق التعليم والفن وغيرها من أدوات “التوعية” ، في محاولة جادة لاعادة الثقة المفقودة في مفاهيم ومصطلحات مُرتبطة بها أيضًا ، منها “الرأسمالية” التي تحولت إلى “متوحشة”، رغم أن مؤسسيها كانوا قد رفعوا شعار “الأخلاق قبل الأسواق” ،وكذلك مصطلح “السياسة” الذي إلتصق به صفة “بياع الكلام” ،لدرجة أن الكاتب الكبير أنيس منصور قال ذات مرة في مقال ساخر ،واصفًا السياسيين: “أنت سياسي ولا تكَذب ،فابحث لك عن مِهنةٌ أخرى ” ..كما قال صلاح جاهين عن السياسة :”قالوا السياسة مُهلكة بشكل عام.. وبُحورها يا بني خِشنة مش ريش نعام.. غُوص فيها تِلقى الغرقانين كلهم شايلين غنايم.. والخفيف هو اللي عام.. عجبي …”..
وفي الختام ،أعان الله مصر، وحافظ على تماسك جبهتها الداخلية، وعلى شعبها العظيم، وجيشها الباسل ، ورئيسها البطل فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي من كل سوء..وأعانها على مواجهة كافة التحديات القادمة لها خاصة من الخارج تحت شعارات، وشائعات مُضِللة ، وأهداف خبيثة تحاول النيل منها ،وإيقاف مسيرة العمل فيها وهي تَبنيِ “جمهوريتها الجديدة” بكل ثقة وثبات..