بقلم أحمد نجم
لا يستطيع اللوبي الصهيوأمريكي أن يهدأ أو يعمل على استقرار منطقة الشرق الأوسط، لطالما خلق نزاعات وصراعات لتظل البلدان العربية تعج بالخلافات، وتظل تعاني من أزمات داخلية وخارجية لتعطي مظلة لتدخل القوي الصهيوأمريكية في شؤونها. تعمل تلك القوي بمبدأ وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في الخمسينيات جون فوستر دالاس الذي كان يتعامل بمبدأ فرق تسد. الذي هو حالنا اليوم كعرب.
في منتدي الدوحة وتحت شعار هو ترسيخ العدالة بين الدول في نسخته الثالثة والعشرين والذي حضره ممثلون لأكثر من 150 دولة منهم رؤساء وملوك ورؤساء مجالس وزراء، لتدعيم ما يسمى بالعدالة في ظل النظام العالمي الجديد، وهي عدالة في اعتقادي تتعلق بمفهوم عدالة السيطرة للدول الكبرى على مقاليد وخيرات الأوضاع في البلدان وخاصة العربية.
من المضحكات المبكيات أن يخرج من بين رحم شعار المنتدي طرح الفكرة الشيطانية للصهيوأمريكية عن طريق توم باراك المبعوث الأمريكي في سوريا وهو ملياردير أمريكي ومطور عقاري وصديق مقرب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن أصول لبنانية.
في كلمته التي ألقاها خلال المنتدى، طرح ضرورة ضم لبنان لسوريا؛ لأنهما يمثلان حضارة واحدة، وللحفاظ على لبنان من أخطار التدخلات الخارجية. ويقصد باراك بتلك العبارة إيران واليمن وحزب الله. باراك بالطبع لم يتحدث عن رغبته، بل هي أطروحات تطلقها الإدارة الأمريكية على لسان ممثليها، لبيان ردة الفعل. وبالطبع كما قال باراك بعد ذلك، هي رغبة للرئيس ترامب.
هكذا تسعى القوى الصهيوأمريكية لبث الفرقة بين البلدان العربية لإعادة رسم خارطة الصراع الجديد في منطقة الشرق الأوسط لتظل تسيطر بقوة نفوذها والتدخل والتواجد الرسمي على أراضينا، بدعوى نشر السلام، وهي المتأمرة لنشر الصراعات والفساد والإفساد بين الشعوب.
الرفض اللبناني للمقترح جاء علي لسان نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني، وأكد أن ذلك يؤدي لمزيد من الصراعات التي تعيشها لبنان بدافع الحفاظ على الهوية اللبنانية بينها وبين الإدارة والشعب السوري. أيضًا ندد حزب الله اللبناني عن طريق أمينه العام نعيم قاسم في احتفال نظمته وحدة العمل النسائي بالحزب بالتدخل في الشؤون اللبنانية، وأكد على أن الحزب يسعى للحفاظ علي استقلال لبنان.
سوريا التي احتلت لبنان لأكثر من ثلاثين عامًا منذ عام 1975 عقب نشوب الحروب الأهلية، دخلت عن طريق قواتها المدعومة بفصائل فلسطينية تابعة لها لاحتلال لبنان والعمل على إعادة ضم بعض الأراضي لسوريا الكبرى، ثم تخلصت منها بعد محاولة إقامة كيان فلسطيني خاص على بعض المناطق اللبنانية، وهو ملف كبير يحتاج لصفحات أخرى لفتحه.
عندما جاء الجنرال ميشيل عون رئيسًا لمجلس الوزراء اللبناني في أواخر الثمانينيات حدثت فتنة طائفية بصناعة سورية، لكون الجنرال مسيحي بينما ما تم الاتفاق عليه أن يكون رئيس الوزراء مسلم سني ورفض كثير من الوزراء الانضمام لحكومة الجنرال ميشيل عون.
عاشت لبنان في حرب أهلية بصنيعه سورية أودت لتشكيل حكومة عسكرية برئاسة الجنرال عون في بيروت الشرقية وحكومة أخري في بيروت الغربية برئاسة السيد سليم الحص المدعوم من العراق وذلك للتصدي لقوات حزب البعث السوري في لبنان، الذي حافظ علي قواته ومطالبته بعودة الأراضي اللبنانية لسوريا.
تلك فتن زرعتها القوى الصهيوأمريكية وروتها بدماء أبناء الشعوب العربية، لتظل الخلافات قائمة، بينما تكون هي أمنه، ويكون هناك استغلال الصراع للتدخل والانقضاض على قوى الدولتين في غفلة منهما أو تحت بصرهما، كما حدث مؤخرًا في سوريا ولبنان بدعوى تأمين حدود الأراضي المحتلة من إمكانية الاعتداء مستقبلًا على أمنها.
من المؤكد أن الاستقطاب الأمريكي لسوريا مؤخرًا، الذي جاء برغبة وسعي الرئيس السوري أحمد الشرع لضمان بقائه على رأس السلطة، سيكون له نتائج إيجابية على القيادة السورية التي أعادت في لقائها بالإدارة الأمريكية مؤخرًا أمنيتها بعودة سلطة بلاد الشام أو سوريا الكبري للجمهورية السورية لضمان أمن المنطقة، وبالتالي ضمان أمن إسرائيل بعد توقيع اتفاق سلام يضمن أمن البلدين، تلك الأراضي التي فرقتها اتفاقية سايكوس بيكو عقب سقوط الإمبراطورية العثمانية.
تاريخيا كانت الأراضي اللبنانية جزءًا من الأراضي السورية التي كانت تسمى بلاد الشام وتضم سوريا، الأردن، فلسطين، لبنان. ثم عقب الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية تم توزيع الكعكة العربية لتنال كل دولة قطعة من خيرات الأراضي العربية لتنهش خيراتها، وتم توقيع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 بين بريطانيا وممثلها مارك سايكس وهو سياسي خبير بشؤون الشرق الأوسط، وبين فرنسا وممثلها فرانسوا جورج بيكو وهو دبلوماسي فرنسي خبير أيضًا بشؤون الشرق الأوسط.
عقب توقيع اتفاقية سايكس بيكو تم تقسيم الدول العربية بين بريطانيا وفرنسا لتنهش خيراتها وتكون ذريعة للتواجد في منطقة الشرق الأوسط ولتحقيق مبدأ أن تكون الدول العربية سوقا لمنتجات الدول الغربية. وأيضًا السيطرة على كنوز حقول الغاز التي ظهرت في شرق البحر المتوسط بين سوريا ولبنان وغزة وبالطبع كان اللوبي الصهيوني يرتدي عباءة الدولتين.
مخاطر ما تقترحه الصهيوأمريكية عن طريق مبعوثها لسوريا توم باراك من ضم لبنان إلى سوريا كثيرة جدًا، بداية من الرفض الشعبي اللبناني الذي يمكن أن تعود إليه الحرب الأهلية، للحفاظ على هويته وما يتبعه من نزاعات سواء سياسية واقتصادية في التطبيق.
على العكس سيكون ذلك من مكاسب الصهيوأمريكية التي سوف تعتبرها ذريعه للتواجد والتدخل للحفاظ علي أمن حدود الأراضي التي احتلها العدو الإسرائيلي، بجانب خضوع لبنان تحت السيطرة السورية بدعم صهيوأمريكي للقضاء علي تهديدات حزب الله وأيضًا القضاء علي نفوذ إيران واليمن والتدخل الفرنسي في لبنان لضمان أمن العدو الإسرائيلي بالطبع.
من أهم المكاسب أيضًا لقوى الصهيوأمريكية تواجد نفوذها الدائم في المنطقة بعد خلق نزاع وصراع جديد بين الدول عقب قمع جبهات المواجهة في غزة وسوريا والعراق ولبنان، الأمر الذي يجعل الاحتلال في مأمن، لكنه يحتاج للتواجد لإبراز قوته في ضوء ما رسمه لخريطة إعادة تشكيل كتل الصراع في الشرق الأوسط.
لكن مصر بقيادتها الحكيمة وقوة جيشها وتلاحم شعبها، يجعل منها خط أحمر أمام كل من تسول له نفسه أخذ قرار خاطئ، فمن قبل قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي اللي عايز يجرب يقرب. فمنذ تولي الرئيس السيسي مقاليد الأمور كانت الحكمة في تدعيم القوات المسلحة المصرية بمختلف الأسلحة المتقدمة ومن معسكرات مختلفة، لتكون قوة مصر العسكرية رادع أمام الجميع. ما جعل المواطن المصري يشعر بالأمان في ظل قيادته القادرة على حمايته.
سيظل العدو الصهيوأمريكي يصنع الأزمات في الشرق الأوسط، وسيظل المصير مجهولًا في ظل ضعف وتشتت القرار العربي الموحد، وعدم تفعيل الجيش العربي المشترك، بالإضافة لغياب تام لدور حيوي وإستراتيجي للجامعة العربية.








