مقالات كبار الكتاب

أحمد نجم .. يكتب .. غزة بين أطماع ترامب وأنياب نتنياهو

بقلم أحمد نجم

اللقاء الذي تم في تكتم شديد بين رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق منذ أيام، الذي يحمل أجندة حل اليوم التالي عقب وقف إطلاق النار بصورة جازمة جاء محملًا بطرح مشاركة السلطة الفلسطينية في حكم بعض مناطق في غزة كتجربة على كيفية نجاح التحكم والسيطرة وإظهار أن غزة يحكمها أهلها.

لكن الحقيقة الخبيثة وراء لقاء بلير- الذي شارك مركزه للأبحاث بطلب من ترامب في إعداد خارطة طريق لغزة فيما بعد انتهاء الحرب- بعدما أكد ترامب أنه سيشتري غزة، ويجعل منها ريفيرا الشرق الأوسط كمنطقة سياحية وصناعية عالمية تحت إدارة أمريكية، وقد تسمح أمريكا لبعض الدول في المشاركة في تلك المشروعات في إشارة لبريطانيا والعدو الإسرائيلي.

فكرة تحويل غزة إلى منتجع سياحي نشأت لدى جاريد كوشنر زوج ابنة الرئيس الأمريكي ترامب ومبعوثه الخاص، وهو رجل أعمال ومستثمر عقاري، والذي أكد ضرورة ترحيل سكان غزة على أن يذهب نصف مليون للأردن ومليون ونصف لمصر يستوطنون سيناء، لكن القرار المصري كان حاسمًا وحازمًا برفض التهجير.

راقت الفكرة لترامب وهو في الأصل مستثمر عقاري وأعلن عن رغبته ترحيل سكان غزة من أجل إنشاء منتجع سياحي عالمي على ساحل غزة المطل على البحر المتوسط، بالإضافة لنيته إنشاء ممر بحري تجاري يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا بطول ساحل بحر غزة الذي يزدهر بالغاز الطبيعي والنفط، وهما من أهم أسباب أطماعه في غزة.

هناك أهداف خبيثة وراء إصرار العدو الإسرائيلي على تدمير كل المنشآت في غزة ومحو أساسيات الحياة فيها، لعدم تمكن سكانها من الإقامة فيها لانعدام مقومات الحياة التي تدمرها قوى الاحتلال الغاشم بمساندة أمريكية وصمت دولي، وعدم الالتفات للقوانين الدولية ولا احترامها، ومن ثم يسعون لإفراغ غزة من سكانها لتحقيق مآربهم.

الاحتلال الإسرائيلي يعمل علي تهجير سكان غزة، وعزلها وتقسيمها إلى ثلاث مناطق معزولة تقوم أيضًا بالسيطرة عليها أمنيًا، لتضمن فيما بعد عدم تهديد أمنها.

أحد هذه الأهداف هو القضاء على حركة حماس التي تتصدر مشهد المقاومة الفلسطينية وإفراغ قطاع غزة من السكان لتأمن إسرائيل عندما تقوم بتحقيق أهدافها سواء الأمنية أو الاقتصادية التي تتمثل في سرقة الغاز الطبيعي من بحر غزة بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، أيضًا من بين الأهداف الرئيسية وغير المعلنة هو تفكيك القضية الفلسطينية بين فصائل فلسطينية مختلفة وتشجيع أهلها على الهجرة، لتنفيذ مخطط ترامب في إنشاء منطقة ساحلية وصناعية علي بحر غزة، مستغلًا المواد الخام في بحر غزة من غاز طبيعي وموارد أخرى، دون أن يسمح لأهلها البقاء والعمل فيها.

ستظل غزة تشكل تهديدًا دائمًا على وجود الاحتلال الإسرائيلي، ولن تتمكن إسرائيل من القضاء على المقاومة الفلسطينية فيها، ولا إنهاء وجود حركة حماس. التاريخ يذكرنا بأنه لا يوجد احتلال قضي على شعب ودولة، حتى وإن كانت وراءه أعتى القوى الدولية، يعملون على تهجير سكانها، وحلم السيطرة على الموارد الطبيعية في غزة لن يتحقق طالما كانت الأرض الفلسطينية ولادة جيل بعد جديد يحمل مشعل المقاومة.

فمن قبل قامت إسرائيل باستخدام كل الوسائل لإخضاع غزة، وفشل الحصار الكامل وأيضًا التدخل العسكري، كما فشل الحصار الاقتصادي في السيطرة على قطاع غزة.

العدو الإسرائيلي كان يغزي الصراع بين الفصائل الفلسطينية وحركة فتح التي تعتبر الممثل الشرعي الرسمي للشعب الفلسطيني، والتي تم الاعتراف بها من العديد من الدول، وأعلنت قيام دولة فلسطين من قبل لكن دون اعتراف من الدول الكبري ولا الاحتلال الإسرائيلي، الذي عمل على إشعال الفتنة بين الفصائل الفلسطينية وأهمها حركة حماس ومنظمة فتح ليظل ملف التحدث وتبني القضية الفلسطينية يتأرجح بينهما، ومن هنا يصعب بناء ووجود دولة فلسطينية في ظل صراع قائم على السلطة داخليًا والتحدث باسم القضية الفلسطينية.

المخطط الصهيوأمريكي الذي تعمل على تنفيذه، منذ احتلت أرض فلسطين خلال الأعوام السابقة يقوم على إستراتيجية شيطانية تتمثل في عزل قطاع غزة وفصله عن الضفة الغربية، وأيضًا عزل القدس والعدوان المتكرر على المسجد الأقصى، وتقوم بمهاجمة المخيمات والمدن والقرى، وتكثيف الاستيطان، لتفكيك تجمع ووحدة الشعب الفلسطيني، وبالتالي تدمير فكرة وجود الدولة الفلسطينية، وتهجير البقية الباقية من الفلسطينيين، ليبدأ تنفيذ مخطط ترامب بإخلاء غزة من سكانها لإقامة منطقة سياحية وصناعية على سواحل بحر غزة الثري بالغاز الطبيعي والمواد الخام.

الإدارة الصهيوأمريكية تعلم بالكنز الموجود في بحر غزة يتمثل في وجود كنوز من الغاز الطبيعي يطمع فيه ترامب، حيث توجد ثروات وموارد طبيعية بمليارات الدولارات، ويعمل الاحتلال على عدم استفادة الشعب الفلسطيني منها، وتأمل الصهيوأمريكية الهيمنة على هذه الموارد وحرمان الفلسطينيين من عائداتها والانتفاع بها.

تقدر احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية بنحو 1.5 مليار برميل من الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الوقود الأزرق، حسب ما تم إعلانه في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ( UNCTAD )، وتحرم إسرائيل الفلسطينيين من استغلالها والانتفاع بعائدات خيراته الطبيعية.

أشار المؤتمر أيضًا إلى أهمية موقع قطاع غزة، وأهمية العمل علي اكتشافات النفط والغاز الطبيعي في حوض الشام، البالغة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، تقدر قيمتها بنحو 453 مليار دولار تسهم في نمو ونهضة الشعب الفلسطيني، وبحسب القوانين والاتفاقيات الدولية (التي لا يحترمها الاحتلال الصهيوأمريكي) يحق للفلسطينيين استغلال مواردهم الطبيعية، لكن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة تسبب في عرقلة عمليات البحث بالإضافة لتهديد الشركات التي تتطلع للعمل هناك.

ومن أهم المناطق الغنية بالموارد الطبيعية في غزة هي منطقة حقل “غزة مارين”، الذي يبعد 30 كم من ساحل غزة بين حقلي الغاز العملاقين “لوثيان” و”ظهر”، من حقول الطاقة المهمة في منطقة شرق المتوسط. وبه ما يزيد عن تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وتقوم إسرائيل بسرقة الغاز الطبيعي من غزة بطرق احتيالية وتقوم بتصديره إلى جيرانها، وأوروبا، الأمر الذي يعتبر سببًا وراء الدعم الغربي الكبير للعدو الإسرائيلي.

إسرائيل ستظل تحلم بالسيطرة على غزة لكي تتمكن من السيطرة على الثروة الغازية للقطاع وزيادة الاحتياطي، وتحسين خطط تصدير الغاز وتعزيز فرصتها في السيطرة على مصدر الغاز شمال وشرق البحر المتوسط وتأكيد قوة دورها في صناعة غاز المتوسط، وبالتالي تستطيع أن تتحكم في بعض دول المنطقة من جيرانها لضمان أمنها ووجودها.

لكن الحقيقة التاريخية المؤكدة أنه لا يوجد احتلال دام ولا شعب تم فناؤه، وستنتصر القضية الفلسطينية عما قريب ويستفيد شعبها بخيراته التي وهبها الله لهم. فلا ظلم يدوم في ظل أجيال تؤمن وتحلم بالتحرر، خاصة بعدما شاهدت تدمير كافة المباني والمنشآت في غزة، سيظل حلم الثأر تتوارثه الأجيال، حتى يتحقق النصر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى