بقلم: د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة
استكمالًا لسلسلة المقالات التي بدأناها في الأسابيع الثلاثة السابقة وتناولنا فيها أبرز أدوات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في البحث العلمي، نواصل في هذا المقال استعراض بقية التطبيقات الواردة في الدليل الاسترشادي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي الصادر عن المجلس الأعلى للجامعات. ويركّز هذا المقال على تطبيقين يُعتبران من الأدوات الذكية الحديثة والمبتكرة التي أحدثت نقلة نوعية في منهجيات البحث عن المصادر العلمية، وهما: Connected Papers و Research Rabbit، اللذان يقدّمان آليات ذكية لاستكشاف الأدبيات العلمية بطريقة أكثر عمقًا وفاعلية مقارنة بأساليب البحث التقليدية.
يُعد تطبيق Connected Papers واحدًا من أهم الأدوات المتقدمة لاستكشاف الأوراق العلمية، والسر في خريطته البصرية التفاعلية التي تُسهِّل على الباحث فهم الوضع البحثي المحيط بموضوعه. فبدلًا من قضاء ساعات طويلة في البحث اليدوي عبر Google Scholar أو قواعد البيانات الأكاديمية الأخرى، يساعد هذا التطبيق الباحث على الوصول إلى شبكة من الدراسات المرتبطة بالموضوع خلال ثوانٍ معدودة.
ويعتمد تطبيق Connected Papers على منهج مختلف عن الأساليب التقليدية الشائعة التي تعتمد على الكلمات المفتاحية أو الاستشهادات المباشرة؛ إذ يقوم التطبيق بتحليل العلاقات بين الأبحاث ذات الصلة بموضوع الدراسة من خلال تشابه المراجع والاستشهادات المشتركة، ما يمكّن الباحث من اكتشاف أوراق ذات صلة حتى وإن لم تشر إحداها إلى الأخرى مباشرة.
ويبدأ الاستخدام عادة باختيار الورقة الأصلية أو Seed Paper، ويمكن أن تكون هذه الورقة هي أحدث بحث منشور في موضوع الدراسة، أو أهم بحث منشور في هذا الموضوع، ليقوم التطبيق بتحليل البنية الاستشهادية المحيطة بهذه الورقة اعتمادًا على قاعدة بيانات Semantic Scholar التي تضم ملايين الأوراق عبر مختلف التخصصات. ويقوم بعدها بتصميم خريطة بصرية تفاعلية تشكّل شبكة مترابطة من الأبحاث، تظهر فيها كل ورقة على شكل عقدة (Node)، وكل عقدة توضح قدم البحث وعدد الاستشهادات به ، ما يتيح للباحث التعرّف بسهولة إلى الأوراق المركزية، والفرعية، والمكملة للموضوع.
وبالتالي فإن استخدام هذا التطبيق الذكي يؤدي إلى توفير الوقت والجهد بالحصول على نتائج فورية تغني عن ساعات طويلة من البحث التقليدي، واكتشاف الأدبيات المخفية التي قد لا تظهر عادة في نتائج البحث التقليدية، وكذلك تنظيم الأفكار من خلال تصور بصري واضح للعلاقات بين الأبحاث الذي يسهم في بناء خلفية نظرية متماسكة، وأخيرا سهولة الاستخدام حيث إ
نها أداة مناسبة لجميع الباحثين، سواء في المراحل الأولى أو المتقدمة من العمل الأكاديمي.
وبهذا، أصبحت Connected Papers أداة محورية في مراجعة الأدبيات للعديد من الباحثين حول العالم، خاصة عند إعداد الخطط البحثية أو رسائل الماجستير والدكتوراه، لما توفره من قدرة على تحديد الأبحاث الأساسية بسرعة ودقة.
أما تطبيق Research Rabbit، فهو منصة بحثية ذكية مصممة لدعم الباحثين في استكشاف الأدبيات الأكاديمية بطريقة تفاعلية ديناميكية. وتتميز هذه الأداة بقدرتها على تحليل اهتمامات الباحث واقتراح أوراق بحثية جديدة تتوافق مع موضوعه، مما يعزز عملية الاكتشاف العلمي ويوسّع من نطاق المعرفة المتاحة.
وتقدّم Research Rabbit واحدًا من أقوى أنظمة التصور البصري للشبكات البحثية مثل Connected Papers؛ إذ يمكن للباحث من خلال خرائط تفاعلية فهم العلاقات المعقدة بين الأوراق البحثية، وتتبع تطوّر مجال معين، ورصد الاتجاهات العلمية التي يتسع فيها النقاش أو تتقاطع فيها التخصصات المختلفة.
وبالتالي فإن هذا التطبيق يتميز بإتاحته لتصور بصري متطور في شكل خرائط بحثية تُمكّن من رؤية الروابط والتقاطع بين الأبحاث والمفاهيم، كما يقدم توصيات ومقترحات لأوراق مرتبطة بالموضوع بناءً على تحليل المحتوى وليس الاستشهادات فقط، ويتميز أيضا بتعزيز التعاون العلمي بين الباحثين من خلال إمكانية مشاركة مجموعات من الدراسات مع الزملاء والمشرفين، وبناء مكتبات مشتركة تسهم في تطوير مشاريع بحثية جماعية، وفوق كل ذلك فهو سهل الاستخدام ويمتلك واجهة تفاعلية بسيطة، تتيح الوصول السريع إلى الأوراق وتنظيمها دون تعقيد. ومن خلال هذه المزايا، أصبح Research Rabbit منصة متقدمة لاستكشاف الأدبيات، ودعم الباحث في تكوين رؤية موسعة حول موضوعه، وتحديد المسارات الجديدة في مجاله العلمي.
وفي الختام نؤكد أن أدوات مثل Connected Papers وResearch Rabbit تمثل ثورة حقيقية في منهجيات البحث عن المصادر العلمية؛ فهي لا تقوم فقط بتسريع الوصول إلى الأدبيات، بل تساعد الباحث على بناء فهم أعمق للسياق العلمي، والتعرّف على الاتجاهات الجديدة، وتحديد الثغرات البحثية التي يمكن أن تُبنى عليها دراسات مستقبلية.
والأهم أن هذه الأدوات لا تتعارض مع أخلاقيات البحث العلمي، بل تدعمها من خلال تعزيز الشفافية، وتنظيم المراجع، وتسهيل الوصول إلى البيانات الموثوقة. ومن ثم، ينبغي أن تستثمر الجامعات في تنظيم دورات تدريبية للباحثين وطلاب الدراسات العليا لتعريفهم بهذه التقنيات، وإتاحة الفرصة أمامهم لاستخدامها في أبحاثهم بما يرفع من جودة الإنتاج العلمي ويختصر الزمن اللازم لإنجاز الدراسات.





