مقالات كبار الكتاب

د. محمود السعيد يكتب .. الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في البحث العلمي (6)

بقلم: د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة

في المقالات السابقة ناقشنا بشكل تفصيلي الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لتقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي في ضوء النسخة الثالثة من الدليل الاسترشادي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم والبحث العلمي الصادر عن المجلس الأعلى للجامعات، وأوضحنا كيف يمكن لهذه الأدوات أن تدعم الباحثين وتسرع خطوات البحث، بشرط أن يتم استخدامها بشفافية ونزاهة وأن لا تكون بديلاً عن الباحث ولكنها أداة مساعدة له. وقد ركّزنا في المقال الأخير على مجموعة من التوصيات العملية للجامعات تمكنها من تنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث، من خلال وضع لوائح وسياسات واضحة تضمن الإفادة من هذه التقنيات دون الإخلال بالقيم الأصيلة للبحث العلمي.

وفي المقال السادس من هذه السلسلة، نبدأ بتسلّيط الضوء على أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن يوظفها الباحث في تنفيذ بحثه، كما وردت في الدليل الاسترشادي، والذي حدد خمس أدوات رئيسية من أبرز التطبيقات الذكية التي يمكن للباحثين استخدامها كأدوات مساعدة وهي: GPT-5 Research Assistant، Semantic Scholar، Dimensions.ai، Scopus AI Insights، Connected Papers، وResearch Rabbit.

وسنقوم بالحديث في هذا المقال عن الأداة الأولى GPT-5 Research Assistant وكيفية استخدامها، لما تمتاز به من قدرات متقدمة جعلتها من ضمن أكثر الأدوات استخدامًا من الباحثين على مستوى العالم. يُعد هذا التطبيق أحد أبرز التطبيقات القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي، حيث يعتمد على نموذج لغوي يقوم على فهم سياق المشروع البحثي والتفاعل معه بطريقة تحاكي الذكاء البشري، ومن ثم يستطيع البحث عن مراجع علمية دقيقة مرتبطة بموضوع الدراسة، وتلخيص الأوراق البحثية المعقدة التي يعثر عليها الباحث، وتحديد الفجوات البحثية التي لم تتناولها الأدبيات السابقة. وإضافةً إلى ذلك، يمكن للتطبيق أن يساعد في تحليل البيانات بعد جمعها، وأيضا المساعدة في صياغة فرضيات البحث، وتصميم الأسئلة البحثية، وتطوير الإطار النظري للبحث بناءً على تحليل الاتجاهات الحديثة في موضوعه. ويمتاز هذا التطبيق بقدرته على توفير وقت ومجهود كبير كان يقوم به الباحث في الماضي في تنفيذ بعض المهام يدويًا، مثل تلخيص الأدبيات، وتصنيف المصادر، وترتيبها من حيث الأهمية أو تاريخ النشر، والتعامل مع كميات ضخمة من النصوص العلمية بسرعة تفوق القدرات البشرية، مع الحفاظ على ترابط الأفكار ودقة التحليل.

ولكن كيف يمكن تحديدا استخدام هذا التطبيق بشكل مثالي وأخلاقي في نفس الوقت؟ إذا أراد الباحث ذلك فيمكنه أن يعتمد على التطبيق في المهام التالية:
1. تلخيص وتجميع الأبحاث العلمية: حيث يقوم الباحث بتقسيم الورقة البحثية الطويلة إلى أجزاء، ويطلب من التطبيق تلخيص كل جزء على حدة، ثم يدمج هذه الملخصات في نص متماسك يغطي جميع عناصر الورقة مثل المقدمة والمنهجية والنتائج والمناقشة. كما يمكنه استخراج معلومات محددة مثل النتائج الرئيسة أو القيود أو المفاهيم النظرية المهمة.

2. المساعدة في تطوير خطة البحث: حيث يمكن استخدام التطبيق لتطوير الخطة البحثية من خلال حل مشكلات رياضية ومنهجية معقدة، أو تحليل نظرية علمية واستخلاص حدودها، أو اقتراح طرق جديدة لاختبار صحتها.

3. اتباع سير عمل منظم لتقليل الأخطاء: يمكن للباحث توجيه التطبيق بشكل منهجي، مثل إلزامه بعدم وضع افتراضات أو تخمينات، وتوثيق كل معلومة بمصدرها، والتفرقة بين الحقائق النظرية المثبتة والآراء أو الادعاءات.

4. أتمتة المهام المتكررة: حيث يمكن للباحث الاعتماد على التطبيق في القيام بمهام روتينية مثل المسح الأولي للأدبيات أو إعداد جداول المقارنة بين الدراسات، مما يعطيه مساحة أكبر التركيز على التحليل والتفسير النقدي.

5. المراجعة والتحرير للتحقق من جودة البحث النهائي: قبل إرسال البحث، يمكن للباحث الاعتماد على التطبيق في تنقيح النسخة النهائية للبحث عن طريق مراجعتها بدقة والتأكد من التزامها بالتعليمات الخاصة بالمجلة أو المؤسسة الأكاديمية، ومن سلامة المراجع والاستشهادات المستخدمة.

على الرغم من الإمكانات الكبيرة التي يتيحها هذا التطبيق، إلا أن استخدامه في البحث العلمي يجب أن يتم في إطار من المسؤولية الأكاديمية والالتزام الأخلاقي. فالقاعدة الأساسية التي أكدنا عليها في المقالات السابقة هي أن الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن الباحث ولا يمكن اعتباره مؤلفًا مشاركًا، لأن المسؤولية القانونية والأخلاقية عن دقة وسلامة نتائج البحث تقع بالكامل على الباحث نفسه. ولذلك فمن الضروري أن يفصح الباحث بوضوح عن استخدامه للتطبيق، وأن يذكر في بحثه مواضع وكيفية استخدامه، سواء في قسم المنهجية أو في قسم الشكر والتقدير أو حتى في جزء مخصص بعنوان “الأدوات المستخدمة”. كما يجب على الباحث أن يتحقق من سياسات وتعليمات المجلات العلمية أو المؤسسات الأكاديمية التي يتعامل معها فيما يخص حدود السماح باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إذ تختلف القواعد بين جهة وأخرى فيما يخص نوعية وطبيعة الاستخدام.

وفي الختام، ينبغي على الباحث أن ينظر إلى استخدام GPT-5 Research Assistant على أنه وسيلة لتعزيز قدراته البحثية وتنمية مهاراته في التحليل والتفكير النقدي، وليس كوسيلة لتفادي الجهد الذهني المتعارف عليه في إنجاز البحوث. فالاستخدام المسؤول لهذه الأداة يمكن أن يشكل نقلة نوعية في جودة البحث العلمي شريطة أن يكون تحت إشراف الباحث. بهذه الطريقة يكون الجمع بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي في صالح مستقبل البحث العلمي والبشرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى