 
						بقلم د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة
في أخر مقالين من هذه السلسلة تناولنا بالتفصيل الجوانب المختلفة لاستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في دعم الباحث في إعداد بحثه وكتابته، كما وضحنا الفرق بين الاستخدامات المشروعة وغير المشروعة وفقًا للمعايير التي وضعتها دور النشر الدولية، ولجان أخلاقيات البحث العلمي حول العالم، بالإضافة إلى الدليل الاسترشادي الصادر عن المجلس الأعلى للجامعات في نسخته الثالثة بشأن استخدامات الذكاء الاصطناعي في مجالي التعليم والبحث العلمي. وقد أكدنا في المقال الأخير على أهمية التمييز بين نوعين من النصوص المكتوبة، وهما النص الذي تم إنشاؤه بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي أو الجزء الأكبر منه، والنص الذي تم دعم إعداده بتقنيات الذكاء الاصطناعي ولكنه من إنشاء الباحث. فهذه التفرقة هي حجر الأساس في تحديد ما يُعد استخدامًا مشروعًا وأخلاقيًا للذكاء الاصطناعي، وما يُعد انتهاكًا لأخلاقيات البحث العلمي ومعاييره العالمية.
في هذا المقال، نستكمل هذه السلسلة من المقالات بتقديم عدد من التوصيات والسياسات المقترحة التي يمكن أن تتبناها الجامعات والمراكز البحثية من أجل مواكبة التطورات السريعة في استخدامات تقنيات الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، وضمان توظيف الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة وفعّالة تعزز من جودة البحث العلمي وتسهم في التنمية الشاملة.
التوصية الأولي هي قيام الجامعات بإنشاء وحدات أو مراكز تميز جامعية تُعنى بدراسة وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات التعليم، البحث، والابتكار، بما يتيح للجامعات أن تكون حاضنات للتميز العلمي والمعرفي في هذا المجال المتنامي. هذه المراكز تتسم بالقدرة العالية على تعزيز الابتكار والكفاءة وتحسين الجودة في مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي، فهي تجمع الخبرات الأكاديمية المتخصصة في هذا المجال لتقديم الدعم والنصائح والتدريب لكافة أطراف المصالح، وتعمل على توحيد أفضل الممارسات ودعم اتخاذ القرار الاستراتيجي.
التوصية الثانية هي تطوير استراتيجية جامعية للذكاء الاصطناعي على غرار ما قامت به جامعة القاهرة في أكتوبر 2024 والتي تهدف إلى الارتقاء بتصنيف الجامعة في مؤشرات الابتكار العالمية، من خلال توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إجراء الأبحاث التطبيقية، وتحفيز تسجيل براءات الاختراع الناتجة عن استخدام هذه التقنيات.
التوصية الثالثة هي تشجيع البحوث متعددة التخصصات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي كأداة أساسية في إيجاد حلول مبتكرة للتحديات المجتمعية والتنموية، بما يعزز التكامل بين العلوم الإنسانية، الاجتماعية، والطبيعية، وذلك من خلال إتاحة ودعم مشروعات بحثية في هذا المجال الحيوي.
التوصية الرابعة هي وضع لوائح وأدلة واضحة في ضوء الدليل الاسترشادي للمجلس الأعلى للجامعات، تكون وسيلة للجامعة لضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي، مع التأكيد على الالتزام بمبادئ الخصوصية، وحماية البيانات، وأمن المعلومات البحثية.
التوصية الخامسة هي قيام الجامعات بتعزيز الوعي المجتمعي والمؤسسي بأهمية الاستخدام المنظم والمسؤول لتقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال وندوات وورش عمل توعوية لأعضاء هيئة التدريس والباحثين، وكذلك تدشين حملات توعية تستهدف الجهات التشريعية، والمؤسسات الأكاديمية، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني.
التوصية السادسة هي توحيد الجهود الوطنية بين الجامعات والمراكز البحثية في إطار التحالفات الإقليمية السبعة التي حددتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وذلك بغرض إنشاء قواعد بيانات بحثية مشتركة تعتمد على الذكاء الاصطناعي في التحليل، واستخلاص النتائج، والتنبؤ بالاتجاهات البحثية المستقبلية.
التوصية السابعة هي تنفيذ برامج تدريبية متخصصة داخل الجامعات تهدف إلى تمكين أعضاء هيئة التدريس والباحثين والطلاب من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بكفاءة، مع التعريف بمزاياها، ومخاطرها، وحدودها الأخلاقية.
التوصية الثامنة هي تضمين مقررات دراسية عن الذكاء الاصطناعي في المناهج الجامعية على غرار ما أعلنته جامعة القاهرة مؤخرا، على أن لا تقتصر هذه المقررات على الجوانب التقنية، بل تشمل الأبعاد القانونية والأخلاقية، وأساليب الاستخدام المسؤول في التعليم والبحث العلمي.
التوصية التاسعة هي قيام الجامعات بإجراء تقييمات دورية شاملة لقياس الأثر الأخلاقي والاجتماعي لاستخدامات الذكاء الاصطناعي داخلها، وضمان توافق الممارسات مع السياسات الوطنية والمعايير الدولية المعتمدة.
إن تبني هذه السياسات من قبل الجامعات المصرية لا يهدف فقط إلى مواكبة التطور التقني العالمي، بل إن الهدف الأسمى هو تأسيس منظومة أكاديمية وبحثية مستدامة قادرة على توظيف الذكاء الاصطناعي بما يخدم أهداف التنمية والابتكار، ويعزز من مكانة الجامعات والمراكز البحثية على المستويين الإقليمي والدولي.
 
				





