مقالات كبار الكتاب

د. محمود السعيد يكتب .. عام دراسي جديد مشرق

بقلم د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة

في مطلع العام الدراسي الجديد وأسبوعه الأول، تتجدد طموحات أبنائنا وبناتنا من طلاب الجامعات المصرية، وتفتح أمامهم آفاق جديدة ورحبة لتحقيق أحلامهم وأهدافهم. ولكي يكون هذا العام عام دراسي مثمر يزخر بالمعرفة والنجاحات، ويكون خطوة هامة في بناء شخصية الطالب ليساهم في خدمة الوطن والمجتمع بعد تخرجه، يسعدني أن أقدم لهم بعض النصائح عن خبرة شخصية بمجال العمل الأكاديمي والجامعي.

الحياة الجامعية كما عرفتها لا يجب أن تكون مجرد قاعات دراسية ومحاضرات نظرية، بل يجب التعامل معها على أنها تجربة متكاملة تتشكل من خلالها ملامح الشخصية وتنجلي فيها معالم المستقبل. من هنا فأول نصيحة أنصحها لطلابي منذ سنوات هي ان يجعلوا لأنفسهم هدفًا واضحًا ويسعون لتحقيقه من خلال التجربة الجامعية. فإذا كان الطالب لا يعرف ماذا يريد تحقيقه، فسوف يظل في دوامة من التردد والشتات بين الاختيارات المتعددة والرحبة المتاحة أمامه. أما الطالب الذي يحدد لنفسه هدفًا، فيسير بخطى ثابتة وواثقة حتى لو تعثّر يومًا، لأنه وقتها يستطيع أن ينهض بسرعه لمعرفته باتجاه تحقيق الهدف. هذا الهدف الذي أشير أليه ليس بالضرورة أن يكون وظيفة تقليدية بعد التخرج حتى لو كانت وظيفة مرموقة، بل بمكن أن يكون الهدف هو أن يصبح الطالب كاتب بارز، أو فنان مبدع، أو سياسي متمرس، أو عالم كبير يحصل على أرقى الجوائز العلمية. المهم في مسألة تحديد الهدف هو أن يتوافق مع ميول وقدرات الطالب، وأن يعبر عن شغفه الداخلي بالتميز والنجاح في الحياة.

ولكي يحقق الطالب هدفه يجب أن يسعى بجدية لتنمية المهارات العملية من خلال فرص التدريب والأنشطة الطلابية التي تتحها الكلية والجامعة، ولا يكتفي بالدراسة النظرية من خلال المقررات الجامعية، فالأنشطة الطلابية المتنوعة تتيح للطالب فرصًا ذهبية للتعلم والتجربة. ومن أبرز الأنشطة التي عرفتها الجامعات المصرية منذ تسعينيات القرن الماضي هي نماذج المحاكاة التي أصبحت جزءًا أصيلًا من الحياة الجامعية المعاصرة، فهذه النماذج تحاكي نموذج عمل المؤسسات الدولية والإقليمية والمحلية، كالأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، والبرلمان، وغيرها من المؤسسات الأخرى. أعتبر دائما أن هذه النماذج ليست مجرد نشاط طلابي يقضي فيه الطالب وقت لتنمية المهارات وحسب، بل هي معمل لتنشيط العقول وصقل القدرات العملية، فهي تمنح الطالب مهارات التفكير النقدي، وتعلم أنماط واساليب القيادة، وزيادة وعيه وحسه الوطني من خلال التفاعل مع قضاياه، كما تعزز أيضا روح المبادرة والمسؤولية لدى الطالب.
وخلال السنوات الماضية كان لدينا تجارب ناجحة أفرزتها تجربة الأنشطة الطلابية المتميزة، والتي لعبت دورًا جوهريًا في إعداد أجيال من الخريجين المتميزين. وقد حرصت الجامعات المصرية منذ نهايات القرن الماضي، وعلى رأسها جامعة القاهرة، على توفير العديد من نماذج المحاكاة، فكانت هذه النماذج بمثابة مفرخه لتفريخ شباب مبدع، استطاع الحصول على فرص عمل مرموقة بمجرد تخرجه، وذلك لأنه استغل الحياة الجامعية في الجمع بين المعرفة الأكاديمية والمهارة العملية وبناء الشخصية المتكاملة.

إن المرحلة الجامعية مثلها مثل باقي مراحل الحياة هي رحلة قصيرة، ولكن ما يميزها هو ثرائها الشديد، ومن يحسن إدارة هذه المرحلة واستثمارها أفضل استثمار سيحظى بمستقبل مشرق. فعلى الطالب أن يوازن بين تكليفات الدراسة وحضور المحاضرات، وهي بالطبع الأساس في الحياة الأكاديمية، وبين الانخراط في الأنشطة الطلابية والتدريب العملي. ولا يجب أبدا أن يهمل الجانب الاجتماعي الذي يمنحه صداقات حقيقية تستمر طول العمر، كما يمنحه ذكريات لا تُنسى. كما يجب أن يخصص الطالب وقتًا للراحة والتأمل في الحياة، فالعقل يحتاج إلى فترات من صفاء الروح حتى يستطيع أن يقبل على فترات غذاء العلم بشهية مفتوحة.

على الطالب أن يتذكر دائما أن هذه المرحلة في حياته هي أثمن مراحل العمر، وأنها لن تعود مرة أخرى، فيجب أن يستثمرها بأفضل طريقة ممكنة ويجعل منها قاعدة صلبة ينطلق من خلالها إلى مستقبل مشرق.
كل عام دراسي والجميع بخير، وتحيا مصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى