بقلم د. محمود السعيد – نائب رئيس جامعة القاهرة
شهدت منظومة البحث العلمي في مصر تطورا ملحوظا خلال السنوات الماضية من ناحية عدد الأبحاث المنشورة دوليا في مجلات دولية مفهرسة، وهو ما كان له عظيم الأثر في رفع تصنيف البحث العلمي المصري على المستوى الدولي وكذلك رفع ترتيب العديد من الجامعات المصرية في التصنيفات الدولية مثل تصنيف شانغهاي الصيني وكيو أس البريطاني وغيرهما من التصنيفات الدولية. وعلى الرغم من هذا التقدم الكبير في العدد والجودة إلا أن مردود الأبحاث المنشورة على جهود التنمية الوطنية وخطط التنمية المستدامة ما زال ضعيف نسبيا، وذلك بسبب أن نسبة كبيرة من الأبحاث المنشورة تتناول موضوعات نظرية بحتة بعيدة طل البعد عن قضايا المجتمع ذات الأولوية، ومشكلاته الفعلية، والتحديات التي تواجهها الدولة المصرية. والهدف الرئيسي لمعظم الباحثين هو فقط الحصول على الدرجات العلمية من أجل الترقي في العمل أو حتى بغرض الوجاهة الاجتماعية.
تحتاج الدولة المصرية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها إلى ربط البحث العلمي بالقضايا الوطنية الملحّة ذات الأولوية، وأن يوجه البحث العلمي لقضايا التنمية والمساهمة في تحقيق أهداف رؤية مصر 2030. ومن ضمن الوسائل الهامة لتحقيق ذلك هو تركيز السياسات الجامعية على مسألة ربط الترقي الأكاديمي بما أنجزه الباحث من أبحاث ترتبط بسد حاجة مجتمعية أو تعالج قضية قومية ملحة. ولتحقيق هذا الغرض، يمكن أن تقوم الجامعات بإصدار قرارات تلزم الباحث الراغب في الحصول على درجة علمية أو ترقي أكاديمي بتوجيه النسبة الأكبر من أبحاثه، أو رسالته العلمية نحو القضايا التي تتضمنها الخطة البحثية للجامعة والتي يتم تطويرها على أساس الخطة البحثية للدولة الصادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وهو ما يضمن تحقيق أثر إيجابي على خطط التنمية المستدامة وأن يكون البحث العلمي أداة لحل المشكلات وسد الاحتياجات المجتمعية.
الاستثمار في قطاعات التعليم والبحث العلمي هو أفضل استثمار يحقق عوائد كبيرة على المدى البعيد. ولذا فهناك حاجة ماسة إلى دعوة رجال الأعمال وأرباب العمل في القطاع الخاص للاستثمار في البحث العلمي، ويجب أن تكون هناك حوافز حقيقية للمستثمرين في قطاع التعليم والبحث العلمي، فالتجارب الدولية الناجحة مثل اليابان وماليزيا تؤكد أن الاستثمار في البحث العلمي كان العامل الأول في دفع هذه الدول إلى مصاف الدول الصناعية الكبرى. كذلك يجب توجيه مساهمات رجال الأعمال المالية والتي تأتي كجزء من التزامهم تجاه المجتمع نحو تطوير منظومة التعليم والبحث العلمي، ويمكن أن يكون ذلك في صورة رعاية المجلات العلمية المحلية الواعدة من خلال التعاون مع دور نشر عالمية لرفع جودتها وإدراجها في قواعد البيانات الدولية. أيضا يمكن أن توجه هذه المساهمات إلى تمويل مشروعات لبناء قدرات الباحثين، ودعم نشر أبحاثهم في مجلات مرموقة، وتشجيع الأبحاث المشتركة مع جامعات دولية، وترجمة الأبحاث المتميزة إلى الإنجليزية للنشر العالمي.
وختاما نؤكد أن البحث العلمي هو أداة هامة للتقدم وتعزيز مكانة الدولة، وأنه لا يعود بالنفع على الباحث فقط ولا يجب أن يكون كذلك، بل يجب أن ينعكس على المؤسسة الأكاديمية التي تم إنجاز البحث من خلالها وأيضا ينعكس على الدولة بأكملها. إن البحث العلمي هو المعيار الأساسي لتقدم الدول علميًا وتكنولوجيًا، ومن ثم فإن تطوير المنظومة البحثية يجب أن يكون له الأولوية في خطط التنمية المستدامة.