مقالات رئيس التحريرمقالات كبار الكتاب

جودة عبد الصادق يكتب .. أصدقاء فرّقنا الفراق

بقلم جودة عبد الصادق إبراهيم
 
الأصدقاء هم عمرٌ ثانٍ نعيشه، هم مرآة الروح ورفقاء الدرب. لكن ما أصعب أن يسرقهم الفراق من بين أيدينا، فنعيش على ذكراهم وكأننا نلمس أطيافًا لا جسد لها.
 
وأنا طفل، كان لي صديق مسيحي. لم أعرف وقتها أن بيننا دينين مختلفين، كنا نضحك ونأكل ونحلم كأننا أخوان من دم واحد. علّمني أن القلب النقي لا يعرف إلا لغة واحدة: لغة الحب.
 
ثم جاء صديق آخر، شابًا حمل روحه فداءً للوطن، اختار طريق الشرف حتى صار ضابطًا. كنت أراه بطلًا وأنا صغير، لكنه رحل شهيدًا برصاص الإرهاب الغادر. رحل، لكنه ترك في قلبي شعلة لا تنطفئ، أن البطولة لا تموت أبدًا.
 
كل واحد من أصدقائي علّمني درسًا: أن الصداقة أعمق من الدين والعرق، وأن التضحية أصدق من الكلمات، وأن الغياب قد يسرق الأجساد لكنه لا يسرق الأرواح.
 
اليوم، حين أسترجع وجوههم، أشعر أني ما زلت أجلس معهم على نفس المقاعد القديمة. أضحك مع الأول وأفتخر بالثاني، ثم أبكي لأن الفراق كان أقوى منا جميعًا.
 
الصداقة الحقيقية لا يمحوها الزمن، ولا يقتلها الإرهاب، ولا يفرقها اختلاف الدين. الأصدقاء الحقيقيون يظلون بداخلنا، يعيشون ما حيينا، ويتركون في القلب فراغًا لا يملؤه أحد.
 
فليت من يقرأ هذه السطور يتذكر أصدقاءه، ويمنحهم وفاءً حيًا قبل أن يخطفهم القدر، لأن الصديق إن رحل… لا يعود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى