رفعت فياض يكتب: أوقفوا تجربة الكتاب الإلكتروني “الملعون” بالجامعات
فشل امتحانات "الاختيار من متعدد" يستلزم العودة للأسئلة المقالية

بقلم الكاتب الصحفي رفعت فياض – مدير تحرير أخبار اليوم
كما أن طبيعة هذه الأجيال الحالية أيضًا لا تهتم كثيرًا بقراءة المقررات الإلكترونية من على شاشات الكمبيوتر أو اللابتوب أو حتى الهواتف المحمولة، بل اتجهوا إلى البحث عن ملخصات سطحية لا تتجاوز عدة وريقات في كل مادة، يعدها لهم محترفون في التلخيص، خاصة في الكليات النظرية، من خلال مكاتب لا علاقة لها بالتعليم الجامعي. مما جعل الأمور تصل إلى حد الكارثة التعليمية، حيث أصبح اهتمام الطلاب منصبًا فقط على تحصيل الدرجات، لا على الإلمام بتفاصيل المناهج.
وقد دفعت هذه الأزمة بعض الدول الأوروبية إلى التراجع عن فكرة “الكتاب الإلكتروني” والعودة إلى الكتاب الورقي، لشرح المواد بإسهاب، وتوفير مرجع دائم يعود إليه الطالب. أما نحن فما زلنا مصرّين على تطبيق هذه التجربة، رغم ملاحظتنا لآثارها السلبية الواضحة على طلابنا وعلى العملية التعليمية بأكملها.
لذا، نطالب المجلس الأعلى للجامعات بإعادة تقييم تجربة “الكتاب الإلكتروني” بالجامعات والمعاهد، والوقوف على آثارها السلبية، حتى لا تتفاقم الأمور أكثر. فالكتاب الإلكتروني الجامعي ليس كالجريدة الإلكترونية التي نطلع عليها يوميًا لزيادة الثقافة العامة، بل هو مرجع دراسي يحتاج الطالب إلى مراجعته مرارًا لفهم واستيعاب المعلومات.
وقد دفع ذلك كثيرًا من الطلاب إلى طباعة الكتاب الإلكتروني الموجود على منصة كليته مرة أخرى حتى يستطيع المذاكرة منه.
ويضيف الدكتور إسماعيل جمعة أن هناك مأساة أخرى تضر بالعملية التعليمية وتُسهم في تدني مستوى الطلاب، وهي “بدعة” أخرى تُعرف بنظام “الاختيار من متعدد” في الامتحانات، وهو النظام الذي حرم الطلاب من التعبير عن فهمهم للمحتوى الدراسي كتابةً، كما زاد من نسب الغش بين الطلاب، ودفع الكثيرين إلى “التنشين” العشوائي في الاختيارات دون دراية حقيقية بالإجابة الصحيحة، مما قد يمنح درجات لمن لا يستحق.
لذا يجب علينا، دون إبطاء، إعادة النظر في نظام الكتاب الإلكتروني ونظام “الاختيار من متعدد”، حفاظًا على مستوى التعليم الجامعي، بعد أن صار الخريجون يفتقرون إلى القدرة على الكتابة والتعبير، خاصة في الكليات النظرية، وفي مقدمتها كليات الحقوق، التي تتطلب تدريب الطلاب على إعداد مذكرات الدفاع في القضايا المختلفة.
ولم يعد لدى الطلاب سوى معلومات سطحية، فضلًا عن الخلل الذي أصاب شخصية الطالب، وعجزه عن التفكير المنطقي أو التعبير بأسلوب علمي مهذب. ولذلك، يجب العودة إلى الأسئلة المقالية، خاصة في الكليات النظرية، لكشف قدرة الطالب على الفهم والاستيعاب والتعبير السليم.
أما الدكتور حامد نصار، نائب رئيس جامعة قناة السويس السابق، فيفجر هو الآخر قضية خطيرة متعلقة بالكتب الإلكترونية الحالية، مؤكدًا أنه في عصر الذكاء الاصطناعي، بات من الممكن تأليف معظم هذه الكتب عبر هذه التقنية، ولم يعد الكتاب الجامعي نتاجًا لتأليف أستاذ المادة. بل وصل الأمر إلى أن بعض الأساتذة يؤلفون مقررات في تخصصات غير تخصصهم باستخدام الذكاء الاصطناعي، ومن الصعب اكتشاف ذلك، مما يُنتج أجيالًا من الأساتذة يُدرسون مواد ليست من إنتاجهم، بل من إنتاج تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي أصبحت تربك العالم كله.
ويضرب الدكتور نصار مثالًا على ذلك بحوار دار أمامه بين رئيس أحد الأقسام وعضو هيئة تدريس، حين سأله: “متى ستقدم نسخ الكتب الإلكترونية لاعتمادها؟” فرد العضو: “ما هي مقرراتي؟”، فقال رئيس القسم: “س، ص، ع”، فأجابه العضو: “غدًا إن شاء الله”!
أي مشاهد عادي لهذا الموقف، كما يقول الدكتور نصار، سيدهش من قدرة شخص على تأليف ثلاثة كتب علمية في يوم واحد! بينما تأليف الكتاب الواحد كان يستغرق سابقًا سنوات. والسر – كما يوضح – هو أن العضو سيستخدم أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي يمكنها تأليف ليس فقط ثلاثة كتب، بل عشرات الكتب في يوم واحد، يكفي أن يحدد المحتوى وعدد الصفحات والأسئلة المطلوبة، فيحصل على الكتاب وبنك أسئلته خلال دقائق.
والأكثر إغراء، كما يضيف الدكتور نصار، أن بيع الكتاب الإلكتروني على المنصة يدرّ على الأستاذ أرباحًا ضخمة، تُحول مباشرة إلى حسابه البنكي، معفاة من الضرائب والمستقطعات، دون أن يبذل أي مجهود، ولا حتى الذهاب إلى الصراف!
أما الضحية الحقيقية، فهم الطلاب المساكين، الذين تحولت نظرتهم إلى الأستاذ الجامعي من الإعجاب والتقدير إلى الشفقة والحسرة… وربما الاحتقار.
لذلك، ومن منطلق ما كشفه الدكتور إسماعيل جمعة والدكتور حامد نصار، فإننا نطلق هذه الاستغاثة إلى المجلس الأعلى للجامعات، وأنا أتفق معهما تمامًا، مما لمسته شخصيًا في عدد من الجامعات والمعاهد التي أُدرّس بها، وأقول:
أرجوكم، تحلّوا بالشجاعة في مناقشة هذه القضية الخطيرة، وتقييم تأثيراتها المدمرة على العملية التعليمية.
ليس عيبًا أن نكون قد بدأنا تطبيق تجربة “الكتاب الإلكتروني” أو “الاختيار من متعدد”، لكن العيب كل العيب هو الاستمرار فيها بعد أن تبيّن لنا ما أحدثته من آثار مدمرة على الطلاب، والتعليم، والبحث العلمي.
أرجوكم، افعلوا ذلك… قبل فوات الأوان.
[email protected]