
بقلم: أ.د/ عبيره محمود السيد
تمر جمهورية مصر العربية بمرحلة دقيقة في تاريخها المعاصر، حيث تتقاطع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع واقع إقليمي متغير، وسياقات دولية مضطربة. وبينما تسعى الدولة المصرية إلى الحفاظ على استقرارها الداخلي، وترسيخ موقعها الإقليمي والدولي، فإنها في الوقت ذاته تُجابه أعباء متراكمة من الضغوط الاقتصادية، وتحولات جذرية في ملفات الأمن القومي، الأمر الذي يتطلب تكاتفًا وطنيًا واسع النطاق، يشارك فيه الجميع، وفي المقدمة الشباب الواعي، من أجل عبور هذه المرحلة المفصلية بثقة واقتدار.
الملف الاقتصادي بات من أبرز التحديات التي تشغل الدولة والمجتمع على السواء. فمعدلات التضخم المرتفعة وتراجع قيمة الجنيه، وتزايد أعباء الدَّين الخارجي، أرهقت الميزانية العامة، وانعكست بشكل مباشر على معيشة المواطنين. وقد ساهمت الأزمات العالمية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، واضطراب سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، في تعقيد المشهد الاقتصادي الداخلي، وألقت بظلال ثقيلة على الاستقرار الاجتماعي.
في مواجهة ذلك، لم تقف الدولة مكتوفة الأيدي، بل واصلت تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، وتحسين البنية التحتية، وتشجيع التصنيع والتصدير، وتعزيز برامج الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر تضررًا. ومع ذلك، يبقى التحدي الحقيقي في ضمان العدالة الاقتصادية، وتفعيل دور القطاع الخاص، وتوفير فرص عمل حقيقية تلبّي تطلعات الشباب وتحفّز النمو الإنتاجي.
على المستوى السياسي، شهدت السنوات الأخيرة حالة من الحراك الهادئ، اتسمت بإطلاق حوار وطني واسع، والإفراج عن عدد من المحبوسين احتياطيًا، في إشارة إلى الرغبة في التهدئة وفتح المجال أمام مشاركة مدنية أكثر حيوية. غير أن الرهان الأكبر يظل على تعزيز دولة القانون، وترسيخ الشفافية، وضمان حرية الإعلام والتعبير، بما يُعيد بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة.
في الإقليم، تلعب مصر دورًا محوريًا في عدد من الملفات الحساسة، أبرزها القضية الفلسطينية، حيث تقوم بجهود وساطة مستمرة في قطاع غزة، لتخفيف المعاناة الإنسانية، ومنع التصعيد، والتوصل إلى حلول دائمة. كذلك يظل ملف سد النهضة أحد أخطر التحديات الاستراتيجية، حيث تواصل مصر دفاعها عن حقها التاريخي في مياه النيل، من خلال التحرك الدبلوماسي والمفاوضات، سعياً للوصول إلى اتفاق قانوني عادل ومتوازن مع الشركاء الأفارقة، يضمن مصالح كافة الأطراف، دون تهديد للأمن المائي المصري.
وتحرص الدولة المصرية على تنويع تحالفاتها وشراكاتها الدولية، فالعلاقات المتينة مع دول الخليج العربي تُعدّ ركيزة أساسية في دعم الاستقرار الاقتصادي والاستثماري، فيما تتواصل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مجالات الطاقة والأمن. كما تشهد علاقات القاهرة مع كل من الصين وروسيا تطورًا ملحوظًا في مجالات الصناعة، والبنية التحتية، والدفاع.
على الصعيد المجتمعي، تظل التحديات الاجتماعية الكبرى بحاجة إلى معالجات جذرية، بدءًا من ارتفاع معدلات البطالة، خاصة بين الشباب، إلى أزمة الزيادة السكانية، وضغوطها على الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وإسكان. وبرغم الجهود المبذولة في تطوير المنظومتين التعليمية والصحية، إلا أن حجم الفجوة بين الطموح والواقع يستدعي مزيدًا من التخطيط المتكامل، والاستثمار في الإنسان المصري بوصفه الثروة الحقيقية للمستقبل.
ولا شك أن الشباب المصري، بما يمتلكه من وعي وثقافة وطموح، يُعد ركيزة أساسية في بناء المستقبل. فهو يمتلك القدرة على التغيير الإيجابي، والإبداع في مختلف المجالات، إذا ما توفرت له الأدوات والفرص. ومن هذا المنطلق، فإن إشراك الشباب في العملية السياسية، وتمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا، ليس خيارًا، بل ضرورة وطنية.
إن المرحلة التي تمر بها مصر الآن تتطلب من الجميع—قيادة، مؤسسات، وشعب—العمل بروح الفريق الواحد، والتخلي عن المصالح الضيقة، وتغليب الصالح العام، بما يضمن حماية الوطن، وتعزيز مقومات نهضته، وتحقيق العدالة والكرامة لكل مواطن.
وقد أظهر السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ توليه المسؤولية، وعيًا عميقًا بحجم التحديات، وإرادة سياسية واضحة في إعادة بناء الدولة المصرية على أسس حديثة، وتثبيت أركانها في ظل إقليم يموج بالاضطرابات. لقد كان حريصًا على تبني رؤية وطنية شاملة، تُعلي من قيمة العمل والإنتاج، وتدعو إلى الحوار والتكاتف الوطني، وتمنح الشباب مساحة متزايدة للمشاركة في مسيرة البناء.
وبإرادة القيادة، وإخلاص مؤسسات الدولة، ووعي الشعب، خاصة الشباب، يمكن لمصر أن تتحول من بلد يتلقى التحديات إلى دولة تصنع مستقبلها بإرادتها الحرة، وبعقول وسواعد أبنائها.