مقالات كبار الكتاب

د. رضا فرحات يكتب .. 30 يونيو.. ثورة الإرادة الشعبية وبوابة الجمهورية الجديدة

بقلم لواء د. رضا فرحات

لم تكن ثورة 30 يونيو 2013 مجرد انتفاضة شعبية ضد حكم جماعة حاولت اختطاف الدولة، بل كانت لحظة تاريخية فارقة أعادت صياغة مفهوم الدولة الوطنية، و أطلقت شرارة التحول نحو بناء الجمهورية الجديدة، جمهورية قوامها العدالة الاجتماعية، والانحياز لحقوق المواطنين، والانطلاق نحو التنمية الشاملة والمستدامة.

لقد خرج ملايين المصريين في 30 يونيو ليعلنوا للعالم أنهم أصحاب القرار في مصير وطنهم، رافضين الحكم الإقصائي، ومطالبين بدولة تسع الجميع، تقوم على الدستور والقانون والمؤسسات، لا على الشعارات أو الاستغلال الديني، فكانت الثورة تعبيرا عن إرادة أمة قررت أن تستعيد هويتها الوطنية، وأن تعيد بناء الدولة على أسس راسخة من السيادة والاستقلالية والعدالة.

ما بعد 30 يونيو لم يكن استراحة مقاتل، بل كان بداية ملحمة بناء على كافة الأصعدة، فالدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، شرعت منذ اللحظة الأولى في وضع خريطة طريق متكاملة، لم تقتصر على استعادة الأمن والاستقرار فحسب، بل امتدت إلى إعادة هيكلة الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز كفاءة المؤسسات، وفتح آفاق الاستثمار والتنمية في كل شبر من أرض الوطن.

لقد جاءت الجمهورية الجديدة كمفهوم سياسي واقتصادي واجتماعي يعبر عن دولة مدنية حديثة، قوامها المؤسسات، وسيادتها تنبع من إرادة شعبها، وغايتها رفاه المواطن، وهي جمهورية ترتكز على المواطنة، لا على الولاءات الطائفية أو الأيديولوجية، جمهورية تبني بالعلم والعمل لا بالشعارات الجوفاء.

ومن أبرز تجليات ما بعد 30 يونيو هو الطفرة التنموية التي شهدتها مصر في كافة القطاعات، فقد دشنت الدولة عشرات المشروعات القومية الكبرى التي ساهمت في إعادة رسم الخريطة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، وأبرز هذه المشروعات تمثل في: شبكة الطرق القومية حيث تم إنشاء آلاف الكيلومترات من الطرق والمحاور التي ربطت سيناء بالدلتـا، والصعيد بالوادي، بما ساعد في تسهيل حركة التجارة والنقل والاستثمار بالإضافة إلى العاصمة الإدارية الجديدة كنموذج لمدن الجيل الرابع، تعكس رؤية عصرية لإدارة الدولة وتنمية محاور جديدة خارج الحيز العمراني التقليدي كما تم تدشين مبادرة “حياة كريمة”، أكبر مشروع تنموي متكامل في تاريخ مصر، يستهدف تطوير الريف المصري وتحسين جودة حياة أكثر من 60 مليون مواطن، من خلال مشروعات في الصحة والتعليم والبنية التحتية وتوفير فرص العمل بالإضافة إلى توسيع الرقعة الزراعية عبر مشروعات مثل مستقبل مصر والدلتا الجديدة، بهدف تحقيق الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، بجانب المشروع القومي لتطوير التعليم، ونظام التأمين الصحي الشامل، ورقمنة الخدمات الحكومية، وغيرها من البرامج التي تعكس تحولا عميقا في إدارة الدولة.

جانب آخر من ثمار 30 يونيو يتمثل في استعادة الوعي الجمعي، فالثورة أسقطت أقنعة الزيف، وكشفت مخططات جماعات استغلت الدين لتحقيق أهداف سياسية كما وضعت الإعلام والثقافة والتعليم في موقعهم الصحيح كأدوات لبناء العقول لا تزييف الحقائق. والجيش المصري، الذي انحاز لإرادة الشعب، لعب دورا محوريا في حماية الدولة، وهو ما يعكس رسوخ العقيدة الوطنية للمؤسسة العسكرية كمؤسسة ضامنة لاستقرار الوطن.

وقد جاءت التحولات في السياسة الخارجية المصرية بعد 30 يونيو لتعكس ثبات القرار الوطني واستقلالية الإرادة المصرية، حيث استعادت مصر مكانتها المحورية في محيطها العربي والإقليمي والدولي، و انتهجت سياسة متوازنة قائمة على المصالح المشتركة وعدم التدخل في شؤون الآخرين، مع تأكيد دعم قضايا العدالة الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية كما لعبت مصر دور الوسيط العاقل في عدد من الملفات الساخنة، وهو ما أعاد الثقة لدورها القيادي في محيطها الاستراتيجي.

كما شهدت الحياة السياسية في مصر بعد 30 يونيو تطورا لافتا حيث تم فتح المجال أمام إعادة تنظيم الأحزاب السياسية وتفعيل دور البرلمان والمجالس المحلية، وإطلاق مبادرات مثل “الحوار الوطني” الذي استهدف إشراك كافة القوى السياسية والمجتمعية في بناء المستقبل، ما يعكس التحول من دولة تديرها جماعة مغلقة إلى دولة تتسع للجميع، وتسعى لبناء توافق وطني واسع يقوم على التنوع والتعددية، وهو ما يعزز أسس الاستقرار ويضمن استمرارية التنمية.

إن ثورة 30 يونيو لم تكن نهاية لحكم جماعة فقط، بل بداية لعصر جديد من الوعي الوطني، والتنمية الشاملة، وإعادة صياغة علاقة المواطن بالدولة إنها ذكرى يجب ألا تحتفل بها فقط، بل تقرأ دروسها بعناية، لنستلهم منها روح العمل والانتماء والقدرة على التغيير، وإن الجمهورية الجديدة التي شيدت على أنقاض الفوضى و الاختطاف، هي اليوم ثمرة صمود المصريين ووعيهم، وإخلاص قيادتهم السياسية، وتضحيات مؤسساتهم الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى