
بقلم الكاتب الصحفي عبد اللطيف المناوي
تلقيت دعوة لزيارة مستشفى الناس للأطفال، ولم أكن أعلم أننى على وشك الدخول إلى عالم يفيض إنسانية وأملا. منذ اللحظة الأولى التى خطوت فيها داخل المستشفى، شعرت أننى لست فى مجرد منشأة طبية، بل فى مساحة من الرحمة والاحترافية، بمستوى من النظافة والتنظيم يكاد يضاهى مستشفيات كبيرة فى العالم. لكن ما لمس قلبى بعمق لم يكن الأجهزة ولا الغرف الفسيحة، بل تلك القلوب الصغيرة التى تنبض بالحياة بعد أن عبرت حدود الخطر.
فى وحدة رعاية الأطفال حديثى الولادة، وقفت أمام حضّانات صغيرة يرقد فيها أطفال رضع لم يتجاوز حجمهم كفّ اليد بكثير. خضع هؤلاء الملائكة الصغار لجراحة قلب دقيقة، ومع ذلك كانت الأجساد الصغيرة تقاتل، تتنفس، وتعيش.. مشهد لا يمكن وصفه إلا بمعجزة من معجزات الطب والإرادة البشرية. كمّ الحب والرعاية الذى أحاط به من الفريق الطبى لا يقل عن كونه عملا مقدسا. كل ممرضة، كل طبيب، وكل فنى يعمل هنا كما لو أنه يرعى طفله هو.
وقبل أن أغادر الطابق، توقفت أمام ركن لافت يحمل عنوانًا بسيطًا لكنه عميق: «دكان القلوب». جدرانه مغطاة برسومات بألوان زاهية، قد لا تحتوى على تفاصيل فنية دقيقة، لكنها تحمل روحا لا تخطئها العين. لم تُرسم هذه اللوحات بفرشاة فنان محترف، بل بأصابع أطفال مرّوا من هنا، تركوا أثر أملهم وألمهم ومقاومتهم. فى هذا الركن، الحياة ترسم نفسها من جديد، بعيدًا عن ضجيج المدن وقسوة الواقع.
«مستشفى الناس» ليس مجرد مشروع طبى، بل قصة إيمان بالإنسان وكرامته. على مساحة 30 ألف متر مربع فى شبرا الخيمة، إحدى أكثر المناطق كثافة سكانية فى مصر، شُيّد هذا الصرح ليكون أكبر مستشفى لعلاج أمراض القلب للأطفال فى الشرق الأوسط وإفريقيا. بطاقة استيعابية تصل إلى 700 سرير، الموجود منها حتى الآن 200 سرير فقط، و10 غرف عمليات و140 وحدة رعاية مركزة، فتح المستشفى أبوابه منذ عام 2019 ليقدّم خدماته مجّانًا لأكثر من 27 ألف طفل، وأجرت أكثر من 7 آلاف جراحة دقيقة.
لكن ما يجعل هذا المشروع مختلفًا هو روحه. فى كل زاوية، تشعر بأنك فى مكان بُنى ليحفظ إنسانية المريض قبل جسده. هنا لا أحد يُسأل عن حالته المادية، لا أحد يُرفض، ولا طفل يُترك فى قائمة انتظار دون محاولة لإنقاذه. هنا، الطب لا يُقاس فقط بعدد الأجهزة، بل بعدد القلوب التى تُنقذ كل يوم.
مثل هذا المستشفى ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل مسؤوليتنا جميعًا. هذه المشاريع لا تعيش فقط على الدعم المؤسسى، بل على تبرعات الأفراد، على كل يد تمتد لتعطى، وكل قلب يصدق أن تغيير الواقع ممكن إذا تحركنا معًا.
ادعموا هذه المشروعات. لا تنتظروا أن يُطلب منكم. تبرّعوا، تحدّثوا عنه، شاركوه، ولتكن أياديكم امتدادًا لقلوبهم الصغيرة.
بواسطة عبد اللطيف المناوي .. نشر في المصري اليوم