تحقيقات وحوارات

ا.د. فتحي الشرقاوي يكتب .. (شخصيةأبو العُريِفْ)

بقلم ا.د. فتحي الشرقاوي

ما ان تقع عيناك على أي عينة من مجموعة من الأفراد المصريين ذكور أو إناث، أغنياء او فقراء،اميين أومتعلمين، سواءكبر عددهم أو قل إلا وجدت بينهم وفيهم شخص أو اثنان على الأقل،يسمى أبو لمعه الفشار

(فتح الفاء وتسكين الشين) او البؤق الحمضان بلغة اهل البلد.نازل نخع وهري وهرس وفتي في اي موضوع تفتحه معه أو اي فكرة تطرحها أمامه،وقد لايقف أمره عند حد محاولاته الزائفة بعرض معلوماته المضروبه فقط، وإنما قد يتعدى ذلك إلى محاولاته الدؤبة لاقناعك بها والتوحد بموقفه فكريا ومعلوماتيا ووجدانيا، ولو كلمت هذا الأبو العُريف في السياسه لبدا لك وكأنه جهبذ سياسي ولو غيرت الموضوع إلى كورة القدم مثلا يبقى لازم يقنعك بأنه مدرب وكوتش رياضي عالمي، ولو غيرت الموضوع إلى الطبخ و إعداد الاكلات ستجد نفسك أمام شيف محصلش وهكذا وهو في الحقيقة بعيدا عن كل هذه الموضوعات،لا بيفهم في السياسة ولا في كورة القدم ولا في الأكل ولا في اي حاجه،أبو العُريف شخص بيفهم وبيفتي في كل الموضوعات التي يمكن أن تخطر أو لا تخطر على بالك.ودائم الإدعاء بعلم مالا يعلمه غيره وأنه عليم ببواطن الأمور ومجاهلها ..

لا يعرفها ولا يحط خبر بها إلا هو فقط و قد يفسر لك هذا التشخيص المبدئي ، أحد أسباب الإرتباط به والاستماع إليه من قبل العديد من الأفراد ، لدرجة إنه قد يعطيك دائمآ الإحساس وانت تتحدث معه أنك أمام موسوعه علميه أدبية ثقافيه اقتصاديه
وأمام أسرار لن تتاح لك فرصة معرفتها أو فك طلاسمها إلا من خلاله هو فقط وهو في الحقيقه ليس سوى أفاق وكذاب وملاوع وحورتجي والغريب أن من يستمعون إليه يعلمون في أنه يسرح بهم ، وأنه بينخع من دماغه وعلى غير علم أو حقيقه أي معلومات وأخبار وأفكار ،ومع ذلك يحرصون على الإستماع له ومتابعته بكل شغف، ليس رغبه منهم في الاستزاده من معلوماته ومعارفه الضحلة المفبركه المضروبه أساسا، ولكن استمتاعا بأسلوبه الشيق في عرض أفكاره ومعلوماته
والتي تتسم بأكبر درجة ممكنه من المرونة وأساليب الجذب والابهار والاستخدام الرائع لمهارات لغة الجسد والتواصل اللفظي وغير اللفظي، الذي يفوق في الغالب كل تصور وهنا تكمن المفارقة العجيبه ففي الوقت الذي تبدو فيه منبهرا بأسلوب أبو العُريف في الإلقاء والعرض لموضوعاته، يعتقد أبو العُريف في نفس الوقت أن انبهارك به نتيجه حداثه وجديه واصاله معلوماته.ومدى اهميتها الكبرى بالنسبة لك ومن ثم يفسر إهتمامك بما يقوله بأنك مبهور بمضمون معارفه ومعلوماته وبياناته، مما يجعله يشعر بتضخم اناه وتورمها..مما يترتب عليه لاحقا المزيد من الخيالات والتوهمات ومن ثم الاحساس بالقدرة المطلقه لاي شيىء يتحدث عنه.إن هذا التباين الحاد في الصورة الذهنية المدركه المتبادله بين ابو العٌريف ومتابعيه والمهتمين به.

يجعل رواج انتشار هذه الشخصية أمر حتمي ومفروغ منه.،فالعلاقه الديناميه التفاعلية بين أبو العريف وغيره من المتابعين علاقه ذات طابع خاص تعتمد في قوامها على الانبهار الشكلى لأساليب العرض اكثر من الاقتناع بمضمون مايتم طرحه من أفكار وآراء ومعلومات…

والسؤال الذي يتبادر الى الذهنماسبب زيوع وانتشار شخصية ابو العٌريف في كل مجالات حياتنا ؟ يرجع ذلك إلى عدة أسباب مجتمعه غير منفصله يتصدرها …

أن أبو العٌريف قد يجد متعته الكبرى في النخع والسرد والهري عندما يرى علامات الإنصات المبالغ فيها من المتابعين لحواراته الشيقه وأساليبه المبتكرة في العرض والاقناع والتقديم والاخراج مع يقين المستمعين له احيانا بضحالة افكاره وتفاهتها وهذا الاعتقاد الزائف من جانبه من خلال اهتمام المستمعين له ومتابعته ورغبتهم في الاستماع له قد يدفعه ذلك الى المزيد من التجويد في التهويل والتنغيم والتفخيم المبالغ فيه في عرض موضوعاته المتعدده امعانا في تأكيد تقديره لذاته المدركه منه لنفسه ومنه للآخرين

ومن الأسباب الأخرى لزيادة عدد تلك الشخصيات في المجتمع المصري،أن ادعاء العلم والمعرفه.قد يضفي على شخصية الفرد نوع من الهاله والتمايز و الإحساس الزائف بتقدير و اعتبار الذات وتضفي عليه كذلك درجة من الاهميه قد يفتقدها وفقا لمحددات الواقع المعاش خاصة إذا كان مستواه الاجتماعي الاقتصادي في الاصل يتسم بالضعف والدونيه.ومن ثم ياتي إدعاء العلم والمعرفه كنوع من التعويض.ومن ثم الشعور بالرضا الداخلي.

وكأن لسان حاله الداخلي يقول إذا كنتم أنتم تتميزون باشياء فأنا في المقابل امتلك ما لا تمتلكون واعرف مالا تعرفون حتى لو كان مايمتلكة أجزاء ضئيلة من المعرفة…

ومن أسباب رواج تلك الشخصية وانتشارها أيضا في أوساط عديدة من الناس انخفاض المستوى التعليمي والثقافي للأفراد.
والذي يجعلهم اكثر تصديقا لما يسمعون واقل استفسارا لما يفهمون وهذا التشخيص المبدئي يفسر في جانب كبير منه..احد مميزات ابو العريف نتيجة الامية الثقافيه لمتابعينه..والذين تقتصر كل ادوارهم في تصديق مايقال لهم من ابو العوريف..وفي المقابل ضمان ابو العوريف من عدم مقاومتهم له او احتجاجهم عليه او حتى التشكيك فيما يقوله. والاكتفاء فقط بالانبهار به والتسليم المطلق بصحة مايقول.

نخلص مما سبق أن الخواء الفكري والاضمحلال الفكري و الفقر الثقافي هو بمثابة البوتقه التي ينمو فيها أبو العُريف وتزاد فيها سماته التهويليه انتشارا، ومن ضمن أسباب كثرة اعداده أيضا ان كلامه غير مصحوب بفعل

ومن ثم انعدام المسؤليات والمهام التطبيقية والعملية المرتبطه بما يقول فالكلام لديه ليس عليه رسوم جمركيه وبالتالي تتاح له الفرصه الكامله للتهويل والتزييف واللعب بكافة أشكال و الوان العرض اللفظي دون ان يكلفه ذلك أدنى معاناة إجرائية أو مجهودات سلوكية تطبيقية

..ودون كذلك اي مسؤليات يتم حسابه عليها، نتيجه كلامه ونخعه وهريه وفتيه.
ومن ضمن الأسباب أيضا في افراز شخصية أبو العوريف.

لغة الخطاب الإعلامي السائد في المجتمع.فالمتابع والمدقق قليلا في الطبيعة النوعيه للافكار التي يناقشها الصفوه المثقفة بالمغايرة لتخصصاتهم العلميه واهتماماتهم الثقافيه..يجد اننا أصبحنا بإزاء طبقة جديده من أبو العُريف، بل دعونا نقول الطبعة الجديده.

أو التطور الطبيعي لأبو العُريف وهم مجموعة من المتعلمين والمثقفين يطلق عليهم النخب والصفوة من رجال الفن والأدب والإعلام وغيرهم تم تصديرهم بالمئات عبر كافة شرايين ومفاصل الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع يفتون ويطرحون افكارا هى اقرب للاجتهادات المفرغه من اي قيمه او دلتله او معني تتاح لهولاء القوم الجدد من شخصيات ابو العوريف لابداء النظر في كل شيىء وكل الافكار والموضوعات

فوجدنا مثلا من يفتي في اشد القضايا الاقتصاديه وهو متخصص ادب ومن يتعرض بالنقض للسياسات الزراعيه وهو خريج دراما ونقد مسرحي وهناك من يتحدث عن استراتيجيات الامن القومي وهو خريج تمريض( سمك لبن تمر هندي)والغريب أن هذه الطبقة الجديده من ابو العُريف بدأت تلقى نوع من الترحيب المجتمعي المصحوب بالتوقيروالاجلال الزائف وهنا تكمن المصيبه الكبرى على اعتبار أنهم سيصبحون بعد فترة وجيزة قادة راي مجتمعي وما أدراك ماقادة الرأي يعني معادله (افكار يتم تقديمها
=تأثيرات يتم غرسها معرفيا ووجدانيا =سلوكيات يتم تفعيلها إجرائيا) وبدلا ما كانت الصورة الذهنية لأبو العريف انه الشخص البسيط ذو المستوى الاجتماعي الثقافي الاقتصادي المتدني.

بدأنا نجد أبو العُُريف في ثوبه الجديد والذي يرتدي أفخم الثياب ويتعمد ينطق كام كلمة انجليزي على فرنسي أثناء حديثه مع كام تعبير ومصطلح غامض لزوم التفخيم والتضخيم لأناه المتورمه و يصمم ان يسبق اسمه سلسله من الألقاب مثل المستشار والخبير والاستشاري وهو أبعد مايكون عن مضمون تلك المسميات النوعيه، انهم النسخة المعدله من ابو لمعه القديم، ينخعون ليل ونهار بأفكار واراء ورائهم ملايين يتابعون افكارهم ولايعرفون أنهم مُدعيين علم وثقافه وتكون النتيجة المتوقعة تخريج أعداد لا متناهيه من شخصيات ابو العريف( تم استنساخها) الموضوع يحتاج وقفه ووقفه ووقفه..
هل من مستجيب

ا.د. فتحي الشرقاوي
استاذعلم النفس السياسي
جامعة عين شمس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى