كتب جودة عبد الصادق إبراهيم
في لحظة حزينة يهتز لها ضمير العالم، أعلن الفاتيكان ، وفاة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد مسيرة استثنائية سطّر خلالها مواقف إنسانية وتاريخية ستبقى حاضرة في ذاكرة الشعوب، فبرحيله، تطوي الإنسانية صفحة من أنقى صفحاتها، ويغيب صوت نادى طيلة حياته بالرحمة، والعدالة، والسلام بين البشر دون تمييز.
مواقف لا تنسى للبابا فرنسيس.. شخصية استثنائية أعادت صياغة دور البابا في العالم المعاصر
منذ انتخابه في مارس 2013 كأول بابا من أمريكا اللاتينية، تميز البابا فرنسيس بمقاربة مختلفة وجريئة لدور القيادة الروحية في العصر الحديث، لم يكتفِ بالظهور من نوافذ الفاتيكان، بل نزل إلى الشوارع، وتحدث إلى الفقراء، واحتضن المهمشين، وتواصل مع المسلمين واليهود والبوذيين، مناديًا بالسلام بين البشر دون النظر إلى عقيدتهم أو خلفيتهم الثقافية.
من الفاتيكان إلى العالم.. صوت للفقراء والمظلومين
كرّس البابا فرنسيس جهوده للدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها قضية الفقر واللاجئين، ففي عام 2016، وخلال زيارته المؤثرة لجزيرة ليسبوس اليونانية، التقى لاجئين من سوريا، وقرر اصطحاب 12 لاجئًا مسلمًا إلى الفاتيكان، في مشهد غير مسبوق عكس جوهر دعوته للتضامن الإنساني.
كما لم يتردد قداسته في تحويل موارد الفاتيكان لدعم المتضررين من جائحة كورونا، وأسس «يوم الفقراء العالمي» ليكون مناسبة سنوية تُذكر العالم بواجبه الأخلاقي تجاه المحتاجين.
زيارة العراق.. كسر جدار الصمت ومخاوف الحروب
في مارس 2021، دوّن البابا فرنسيس اسمه في التاريخ كأول بابا يزور العراق، حاملاً رسالة وحدة وسلام إلى أرض الأنبياء، زار مدينة أور التاريخية، وشارك في لقاء جمع قيادات الأديان المختلفة، ودعا إلى إنهاء الانقسامات الطائفية قائلاً: «السلام لا ينتصر بالسلاح، بل بالأخوّة والرحمة».
وثيقة الأخوّة الإنسانية.. شراكة روحية مع الأزهر
في فبراير 2019، التقى البابا فرنسيس فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في الإمارات العربية المتحدة، ووقعا معًا وثيقة «الأخوّة الإنسانية» التي تُعتبر أول إعلان مشترك بين الكنيسة الكاثوليكية والأزهر يدعو إلى التعايش والتفاهم ونبذ العنف، هذا اللقاء رسّخ صورة البابا كجسر حقيقي بين الحضارات والأديان، ولاقى ترحيبًا واسعًا في الأوساط الدينية والسياسية حول العالم، خاصة في مصر التي رأت في هذا الموقف دعمًا مباشرًا لقيم الاعتدال التي يحملها الأزهر الشريف.
لا للعنصرية.. نعم للكرامة الإنسانية
لم يكن صمت البابا خيارًا حين اندلعت حركات الغضب حول العالم بسبب العنصرية، خاصة بعد مقتل المواطن الأمريكي جورج فلويد، خرج البابا في خطاب قوي، مؤكدًا أن «العنصرية خطيئة قاتلة»، وأن «كل إنسان يولد متساويًا في الكرامة مهما كان لونه أو دينه أو جنسيته».
إرث خالد ومكانة عالمية
رحيل البابا فرنسيس لا يمثل فقط نهاية حقبة بابوية، بل يطوي صفحة نادرة لرجل تحدى الصورة النمطية لرأس الكنيسة، فكان قريبًا من الإنسان، مشغولًا بالعدالة، ومؤمنًا بأن دور الدين ليس الهيمنة، بل الخدمة.
لقد استطاع أن يجعل من الفاتيكان مركزًا للحوار، وأن يعيد إلى الكنيسة دورها الأخلاقي في قضايا البيئة، العدالة، اللاجئين، والكرامة الإنسانية، وبهذا، سيظل اسمه محفورًا في التاريخ كأحد أبرز قادة العصر وأكثرهم تأثيرًا في الضمير العالمي.