مقالات كبار الكتاب

د. محمود السعيد يكتب .. الجامعات المصرية وتحديات الاستدامة

بقلم: د. محمود السعيد نائب رئيس جامعة القاهرة

فى عالم تملؤه التحديات المناخية والاقتصادية والبيئية، أصبح مفهوم الاستدامة هو بوصلة عمل المؤسسات الدولية والحكومات والشركات حول العالم. فإن قلق التغير المناخى وتآكل الموارد غير المتجددة والصراعات الناجمة عنها دفع الإنسانية لأن تسعى لأن تكون ممارستها تقلل من أثرها السلبى فى تلك المشكلات وتعزز آثارها الإيجابية طويلة المدى. فأصبح مفهوم الاستدامة من أساسيات العمل الإدارى الناجح فى كل المجالات والقطاعات بما فيها الاقتصاد والتنمية والصحة والتعليم….الخ. وبالنظر إلى قطاع التعليم تعرف الاستدامة على أنها منهجية تعليم وتعلُّم فى بيئة تخصصات بينية تستهدف إكساب الطالب المفاهيم والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لأى نشاط يشارك فيه، سواء كان نشاطا علميا فصليا أو أى أنشطة أخرى

غير فصلية، وذلك من خلال مناهج ولوائح دراسية تركز على مفهوم الاستدامة..

وفى مجال التعليم العالى تعرف الجامعة المستدامة على أنها جامعة تقوم بتعليم وتثقيف طلابها بمفهوم التنمية المستدامة من خلال الأنشطة الفصلية وغير الفصلية التى تقدمها خلال العام الدراسى، وتقدم رؤى ذات صلة بالتحديات المجتمعية..
وقد أولت الدولة المصرية اهتماما خاصا بمفهوم الاستدامة فى الجامعات، وقطعت أشواطا مهمة منذ عام 2014 فى طريق تحويل جامعاتها إلى جامعات مستدامة، وركزت الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى التى أطلقتها وزارة التعليم العالى فى السابع من مارس 2023 على سبعة محاور أساسية، وتم تخصيص المحور الخامس بها لمفهوم الاستدامة الذى يستند إلى رؤية مصر 2030 التى تهدف الى تحقيق رؤية شاملة لمصر فى مجالات التنمية المتنوعة. وعلى مستوى الجامعات وفى عام 2020 على إثر إعلان بعض المصنفين الدوليين مثل مؤسسة التايمز THE وكيو اس QS البريطانيتين عن ترتيب للجامعات حول العالم طبقا للأهداف الإنمائية السبعة عشر للأمم المتحدة المعنية بالتنمية المستدامة (SDGs) – وهذه الأهداف اعتمدتها جميع الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة فى عام 2015 ،حيث تهدف فى مجملها إلى إنهاء الفقر وحماية كوكب الأرض من الآثار السلبية للأنشطة الاقتصادية وضمان تمتع جميع البشر حول العالم بالسلام والازدهار بحلول عام 2030- وفى هذا الإطار واستجابة لهذه التصنيفات والمتطلبات العالمية قامت عدة جامعات مصرية بإعداد خطط استدامة وتطبيقها من أجل التنافس على مراكز متقدمة فى ترتيب هذه التصنيفات. فعلى سبيل المثال وفى عام 2021 تم إنشاء مكتب الاستدامة بجامعة القاهرة تحت قطاع خدمة المجتمع وتنمية البيئة بهدف تعزيز الاستدامة المؤسسية والعمل على إعداد كوادر قادرة على إيجاد حلول سليمة بيئيا وعادلة اجتماعيا ومجدية اقتصاديا. ثم تم إنشاء المكتب الأخضر فى جميع كليات ومعاهد الجامعة فى بداية عام 2023 بغرض تضمين ممارسات الاستدامة، فى المقررات الدراسية بالبرامج التعليمية، والبحوث العلمية، والعمليات الحيوية والبيئة المحيطة بكل كليات ومعاهد الجامعة. وفى عامى 2022 و2023 فازت جامعة القاهرة بالمركز الأول فى مسابقة أفضل جامعة صديقة للبيئة، التى نظمتها وزارة التعليم العالى والبحث العلمى.

لكى تتحول جامعاتنا المصرية إلى جامعات مستدامة بشكل متكامل، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات خاصة للاستدامة بالجامعات المصرية لتحويل الحرم الجامعى والمجتمع المحيط بكل جامعة ليكونا أكثر استدامة، وذلك بغية زيادة مساهمة الجامعات فى إحداث التنمية المستدامة بمصر، ورفع ترتيبها فى التصنيفات الدولية التى تصنف الجامعات بناء على استيفائها معايير الاستدامة. ويجب تضمين الاستراتيجيات الخاصة بالاستدامة خططًا زمنية لتطوير المقررات الدراسية، لتتناسب مع وظائف المستقبل وبالتالى تحقق مفهوم الاستدامة بها، وخططا لنشر ثقافة الاستدامة على نطاق واسع بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والجهاز الإدارى بالجامعة، وتشكيل فرق طلابية تتبنى مفهوم الاستدامة وتعمل مع مؤسسات الدولة بغرض توعية الطلاب ومشاركتهم فى إحداث التنمية المستدامة للدولة. وربط مخرجات الخطط البحثية للجامعات بأهداف التنمية المستدامة الستة، التى أعلنتها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المتمثلة فى: الارتقاء بجودة حياة المواطن المصرى وتحسين مستوى معيشته، والعدالة الاجتماعية والمساواة، والنظام البيئى المتكامل والمُستدام، والاقتصاد المتنوِّع المعرفى التنافسى، والبنية التحتية المتطورة، والحوكمة والشراكات من أجل التنمية.

ويركز المحور الأول فى الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى على مبدأ التكامل بين الجامعات ورجال الصناعة والقطاع الخاص ومؤسسات الدولة، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهو ما يعنى اندماج منظومة التعليم العالى مع مؤسسات الإنتاج فى الدولة، بهدف سد الفجوة بين برامج التعليم والاحتياجات الفعلية لكل إقليم من أقاليم مصر السبعة، طبقًا لأنشطته الاقتصادية التى يتميز بها. وهنا يجب أن تستند استراتيجية كل جامعة، خاصة فى محور خدمة المجتمع وتنمية البيئة، إلى تعزيز الشراكات بين الجامعة ومؤسسات الإنتاج، لتلبية الاحتياجات المجتمعية المختلفة وتحقيق مبدأ الاستدامة فى الجامعة والمجتمع. فالإستراتيجية الوطنية لوزارة التعليم العالى 2030 تستهدف إنشاء 7 تحالفات إقليمية تربط الجامعات والمراكز البحثية بمجتمع الأعمال والصناعة فى محيط كل منها، لتحقيق أكبر استفادة ممكنة بين التعليم والصناعة لخدمة المجتمع. وتعتبر هذه التحالفات فرصة يجب اغتنامها من قبل الجامعات لتعزيز الاستدامة والمشاركة الفاعلة فى تحقيق أهداف التنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى