مقالات كبار الكتاب
دكتور “محمود السعيد” يكتب .. تحسن وضع الاقتصاد المصري والتحديات المستقبلية
كتب الاستاذ الدكتور محمود السعيد نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث العلمية
لا شك أن الاقتصاد المصري شهد مؤخراً تحسناً ملحوظاً، وانعكس ذلك على موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي. تعد هذه الخطوة علامة إيجابية تعزز من الثقة في الاقتصاد المصري، بعد أن استقر الوضع الاقتصادي إلى حد كبير خلال الأشهر الماضية. فقامت وكالة فيتش العالمية في نوفمبر الماضي برفع التصنيف الائتماني للاقتصاد المصري إلى درجة “B” لأول مرة منذ أربع سنوات، مع نظرة مستقبلية مستقرة، كما أعلن البنك المركزي عن ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية.
وتأتي أهمية الموافقة على المراجعة الرابعة للبرنامج المصري في أنها تساهم في تمكين مصر من الحصول على شريحة تمويلية بقيمة 1.2 مليار دولار، مما يزيد من تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي ويسهم في استقرار سعر الصرف وهو ما يسهم في تقليل معدلات التضخم ووصولها إلى المعدلات المستهدفة. يُعتبر استغلال هذه الشريحة التمويلية، بالإضافة إلى المساعدات من الاتحاد الأوروبي والدول العربية، أمراً مهماً للاستثمار في القطاعات المستدامة مثل الطاقة النظيفة والمتجددة وتعزيز قطاع السياحة ورفع كفاءة المنشآت السياحية.
ومن أهم المؤشرات التي تشير إلى تحسن الوضع الاقتصادي هو انخفاض معدل التضخم في فبراير 2025 مقارنةً بشهر يناير من نفس العام. هذا التحسن هو نتيجة مباشرة للسياسات النقدية التي اتخذتها الحكومة المصرية مثل رفع أسعار الفائدة وتحرير سعر صرف العملات الأجنبية وتأمين عدد من الاستثمارات الهامة من دول شقيقة، مثل استثمار دولة الإمارات في منطقة راس الحكمة، كل هذه السياسات الناجحة ساعدت في تحقيق التحسن الملحوظ.
ولكن وعلى الرغم من التحسن الواضح في مؤشراته الكلية، إلا أن الاقتصاد المصري ما زال يواجه تحديات عديدة، منها على سبيل المثال لا الحصر ضرورة خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب الزيادة السكانية المطردة وتعزيز كفاءة مؤسسات القطاع العام. والتحدي الأكبر هو ضرورة إجراء إصلاحات هيكلية من شأنها نقل الاقتصاد المصري من اقتصاد شبه ريعي يعتمد في الأساس على موارد ريعية وشبه ريعية إلى نموذج اقتصادي يعتمد على التصنيع والانتاج.
في النهاية نؤكد على أن نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي هو عامل مهم في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري، خطوة هامة في جذب الاستثمارات وزيادة الثقة في السوق المصري. ومع استمرار تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي مثل انخفاض معدل التضخم، فإن تحقيق مرحلة من الاستقرار يتطلب جهوداً إضافية لإعادة هيكلة الاقتصاد وتحسين بيئة الأعمال. فهناك التزامات من طرف الحكومة مثل توفير خدمات عالية الجودة في مجالات التعليم والرعاية الصحية، وتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية للطبقات المهمشة، يجب تحقيقها لضمان استفادة جميع المواطنين من التحسينات الاقتصادية. باستمرار تنفيذ هذه السياسات وتعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، يمكن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تنعكس إيجابياً على حياة المواطنين المصريين.