ما هي طريقة الاستنجاء الصحيحة؟.. كيفيته ومتى يجوز
ما هي طريقة الاستنجاء الصحيحة؟؛ سؤال أجابته دار الإفتاء حيث يعد الاستنجاء طهارة مستقلة، يجب عند وجود سببه -وهو: خروج النجاسة من أحد السبيلين-، ولا يعدُّ من سُنَن الوضوء ولا مِن فرائضه، وإنما هو من باب إزالة النجاسة المرتبط بها وجودًا وعدمًا.
ما هي طريقة الاستنجاء الصحيحة؟
تقول دار الإفتاء: أَمَر الشرع الشريف بالطَّهَارة، ورغَّب فيها، وحثَّ عليها، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6].
ومن الطهارات المطلوبة شرعًا: الاستنجاء، وهو: إزالة النجاسة والأذى الباقي على مخرج البول والغائط، وتطهير محلهما بالماء أو بالحجارة. يُنظر: “الاستذكار” للإمام ابن عبد البر (1/ 135، ط. دار الكتب العلمية)، وتدخل الأدوات الأخرى التي تزيل النجاسة كالورق والمناديل في معنى الحجارة.
ووَرَد في السنة المطهرة طلب الطهارة عامة والاستنجاء خاصة، فروى ابن أبي شيبة في “مصنفه” عن الشعبي، قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ [التوبة: 108]، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يَا أَهَلَ قُبَاءٍ! مَا هَذَا الثَّنَاءُ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ»؟ قالوا: ما منَّا أحد إلَّا وهو يستنجي بالماء مِن الخلاء.
وروى الإمام أحمد في “المسند”، وأبو داود في “سننه” عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ، فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ».
والاستنجاء واجبٌ إذا وُجِد السبب الـمُوجِب له -وهو الخارج النَّجس مِن أحد السبيلين-، وبه قال جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة، والحنفية حالة تَجاوُز النَّجاسة محل السَّبيلين -أي: القُبُل والدُّبُر-، على خلافٍ بينهم في حالة القِلَّة أو الكَثْرة للخارج الـمُجاوِز، وهو أيضًا أحد الأقوال عند المالكية حال الذِّكْر -أي: عدم النسيان- والقُدْرة عليه، وشَهَّر هذا القول أبو الحسن اللخمي، وجَعلَه مذهب “المدونة”. ينظر: “البناية” للإمام بدر الدين العيني (1/ 748، ط. دار الكتب العلمية)، و”مواهب الجليل” للإمام الحطاب (1/ 132، ط. دار الفكر)، و”روضة الطالبين” للإمام النووي (1/ 65، ط. المكتب الإسلامي)، و”كشاف القناع” للإمام البهوتي (1/ 80، ط. دار الكتب العلمية).
واستدلوا على ذلك بما أخرجه مسلم في “صحيحه” من حديث أنس رضي الله عنه: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنَزة فيستنجي بالماء”. (والعنَزَة عصا فيها سنان نحو نصف الرمح)، وأبو داود في “سننه” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور أو ركوة فاستنجى”، وابن ماجه في “سننه” من حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خَرَج من غائطٍ قط إلَّا مَسَّ ماء”.
وتابعت: الاستنجاء طهارة مستقلة يُطلب عند وجود سببه، ولا ارتباط له بالوضوء، فليس شرطًا من شروطه ولا ركنًا من أركانه ولا سنة من سننه، وإنما هو من باب إزالة النجاسة المرتبط بها وجودًا وعدمًا، فمَن تَوضَّأ دون استنجاءٍ قَبْله لعدم وجود سببه فوضوؤه صحيحٌ مجزئ.
قال العلامة أبو زيد القيرواني في “الرسالة” (ص: 14، ط. دار الفكر): [وليس الاستنجاء مما يجب أن يوصل به الوضوء لا في سنن الوضوء ولا في فرائضه، وهو من باب إيجاب زوال النجاسة به أو بالاستجمار لئلا يصلي بها في جسده] اهـ. وينظر أيضًا: “الاختيار لتعليل المختار” للعلامة ابن مودود الموصلي (1/ 36، ط. دار الكتب العلمية”، و”المجموع” للإمام النووي (2/ 129، ط. دار الفكر)، و”المغني” للعلامة ابن قدامة (1/ 82، ط. مكتبة القاهرة).
وينبغي أَلا تكون هذه المسائل مثار جَدلٍ ونزاعٍ في المساجد، لا سيما وأنَّ المساجد بيوت الله تعالى، ومكان للعبادة والذِّكْر، والسَّكَينة والوَقَار، إعلاءً وتعظيمًا لشعائر الله، فلا يليق مع هذا الشِّجَارُ وارتفاعُ الصوت داخل المسجد، وإذا وجبت النصيحة من أخٍ لأخيه فيجب التَّحقُّق أَوَّلًا مِن صحة النصيحة وفهمها جيدًا، ثم عَرضها باللين والرِّفق، فإنَّ “الرِّفْقَ مَا كَانَ فِي شيءٍ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ إلَّا شانَه” كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فإنَّ الاستنجاء طهارة مستقلة، يجب عند وجود سببه -وهو: خروج النجاسة من أحد السبيلين-، ولا يعدُّ من سُنَن الوضوء ولا مِن فرائضه، وإنما هو من باب إزالة النجاسة المرتبط بها وجودًا وعدمًا.