
بقلم ا.د فتحي الشرقاوي
ما الذي قد يدفع بفرد ما الى إنكار وجود الله،ومن ثم الولوج إلى دائرة الإلحاد ، يرى بعض العلماء أن الملحد عايش ازمات وضغوط مجتمعيه لم يقوى على مواجهتها وتحملها مما ادى به إلى الشعور بعدم وجود قوى غيبية( الله) تقف ورائه مساندة وداعمة له،مما دفعه للإعتقاد بعدم وجود الله،والحقيقة أن هذا الراي الذي يرجع الإلحاد للظروف المجتمعية الضاغطه يحمل العديد من المأخذ يتصدرها أن هناك ملايين من الأفراد قد يعايشون ظروف بيئيه مجتمعيه أشد قسوة من تلك التي قد يكون الشخص الملحد عايشها ، ومع ذلك لم ينكروا الله،بل أن العكس هو الصحيح فتلك المواقف المحبطه القاسية زادتهم إيمانا وتمسكا بفكرة الإله ،الذي يقويهم ويسندهم ويقف معهم وقت انكسارهم لأن الله هو القوي المتين المتعال، وهناك إتجاه آخر يرى أن الإلحاد يأتي نتيجة اللاعداله في أحوال البشر، فالملحد يرى ان مايعايشه الأفراد من جحيم وظلم ومعاناة ( قتل،
تشريد،دمار..الخ) مع أنهم لا يستحقون كل هذه المعاناه ،دليل من وجهة نظره ،على عدم وجود إله يقف معهم يساندهم في محنتهم ومعاناتهم، إن هذا الإتجاه التبريري عليه أيضا مأخذ عديدة يتصدرها، أن من يعانون في وقت ما،قد ينعمون في وقت آخر، وفقا لتغير وتبدل الظروف المجتمعيه ، فكم من المجتمعات عانت من ويلات الحروب والدمار،ثم قامت من كبوتها ونهضت وتصدرت غيرها من المجتمعات تطويرا وتحديثا، فاذا تعللنا بإنعدام وجود ألله معهم في كبوتهم،فالمرادفه العكسيه وفقا لأفكارهم المعوجه لابد أن يُستنتج منها أن الله وقف معهم في كبوتهم، مما يعني عدم وجود الله في حين ووجوده في حين اخر ،ومن ثم ينقلب مبررهم الزائف بعدم وجود الله الى وجوده
وهناك اتجاه ثالث يرى أن الملحد ينزلق في الإلحاد نظرا لإعتقاده بأن الله المزعوم من وجهة نظره ،
يرسل كتبه الدينيه المفعمه بالاوامر والنواهي التي تحد من حرية الإنسان وتجعله مقيدا مما يتنافي والأصل في وجوده وهو الحرية،وهذا الراي مردود عليه أيضا في أن مفهوم السلطة الدنيويه في أبسط تعريف له، إنما تعني وجود عدة قواعد آمره وناهيه من أجل مصلحة سير العمل وتنظيم العلاقة بين البشر،.،فلمَ تصبح السلطه الدنيويه مشروعه وفي نفس الوقت انكار السلطة الإلهية في اوامرها ونواهيها، إذا اعتبرنا كلاهما مصدرا للاوامر والنواهي المحدده لسلوكيات البشر آكثر من كونها محجمه ومقيده لهم، أما الإتجاه الرابع فيرى ان الإلحاد قد يكون نتيجة للتطور التكنولوجي والحضاري الرهيب ومن ثم إحساس الفرد بقدرته المطلقة على تغيير الكون والسيطرة عليه بعيدا عن فكرة الهيمنه الالهيه وهذا الإتجاه ايضا مردود عليه
،بأن الحضارة مهما بلغت ذروتها واشتد عودها وسعى الإنسان بقدرته على التحكم المطلق فيها يقف عاجزا امام غضب الطبيعة الالهي ( زلازل،اعاصير،براكين..الخ فأين القوة الحضارية المطلقة حينئذ، وهناك إتجاه خامس يرى أن الملحد ينزلق في دائرة الإلحاد نتيجه التقليد والمحاكاه لغيره ممن سبقوه إلى هذا المنزلق،وهذا الاتجاه مردود عليه أيضا ،بأن التقليد والمحاكاه ومدى تأثر الفرد بما يحاكيه أمر ممعن في الذاتية وحرية الإختيار الفردية ،ومن ثم يعد أمر ذاتي محض بعيدا عن القوة الإلهية التي تركت لكل فرد حريه الإختيار من ضمن البدائل المطروحه امامه في العالم الخارجي( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فالقدرة الإلهية كما تعكسها الرسالات السماوية لم تجبر الأفراد على تقليد ومحاكاه شيىء محدد بنوعه وإنما تركت للإنسان حرية إختيار مايشاء ومن ثم فالمحاكاه ليست دليلا قاطعا على إنكار وجود الإله..فهناك من يقلد وهناك من يمتنع عن التقليد
وهناك إتجاه سادس ونحن أقرب للميل له فالملحد شخص لدية اضطراب نفسي فيما يتصل بمفهوم السلطة الوالدية إبان مراحل تنشئته الأولى فصورة الأب ( السلطة الوالدية) والتي تمثل عماد البناء النفسي للطفل قد حدث لها نوع من التشويه والاضطراب في نفسية الملحد إبان مراحل تنشئته الأولى حينما كان طفلا صغيرا الأمر الذي أدى بمرور الوقت إلى نقل وازاحه صورة السلطة الابوية المشوهه إلى كافة رموز السلطه ( اي كانت)
ويأتي في مقدمتها صورة السلطة الالهيه، فإنكار الملحد للسلطه الإلهية ماهو الا إمتداد لرفضه لصورة السلطة الوالدية المضطربه والمشوهه التي يحملها بداخل مكنون نفسه منذ الصغر ،وتلك النظرة النفسية العميقة في حاجه لمجال أوسع وارحب لعرضها وتفسيرها
مجردخاطره
ا.د.فتحي الشرقاوي
أستاذ علم النفس
جامعة عين شمس