مقالات كبار الكتاب

د. محمد علي النجار يكتب .. انتهى موسم الحج .. ولكن

كتب د. محمد علي النجار

انتهى موسم الحج .. وما انتهت الأحزان مع الإعلان عن وفاة خمسة وسبعين حاجًا أردنيًا رحمهم الله، وأسكنهم فسيح جناته، وألهم ذويهم الصبر والسلوان .. فلله ما أخذ وله ما أعطى ..

حتى أمس الجمعة تم العثور على ستة وسبعين حاجًا من بين مئة وعشرة حجاج مسجلين ضمن قوائم الحجاج الأردنيين المفقودين .. وربما كان هناك عدد غير مسجل!! .. وإلى الآن نحن نتحدث عن حجاج التأشيرة..

وفي الحقيقة، فقد كثر الحديث منذ اللحظات الأولى حول المسؤولية عما حدث .. وبدأ البحث عن كبش فداء، حتى وصل الأمر ببعض التقارير الإخبارية إلى قولها: إن هناك مطالب شعبية بإجراء تحقيق .. وإقالة وزراء!!.

سبحان الله!! .. أنا لست مع أي وزير .. ولكن ما شأن الوزراء في مثل هذا الأمر؟! ..

لقد آلمني كما آلم كل أردني ما حل بحجاجنا من تضييق وتعب وألم ويأس .. وما آلت إليه الأمور .. وما ستكشف عنه الأيام المقبلة ..

ولكن …

انتظرت .. ولم أتعجل الكتابة .. وأسوق الاتهامات .. انتظرت حتى عندما عاد عدد كبير من حجاجنا من كلا الجانبين!! .. وهم جيران وأصدقاء وزملاء .. وسمعت من أفواههم ..

لقد حاولت أن أتصيد أخطاء وزارة الأوقاف من كلا الجانبين، إلا أنني ما استمعت إلا إلى إطراء .. ومديح .. وإشادات بدور الوزارة، وأدائها، وخدماتها المتميزة لضيوف الرحمن .. وكانت الحقائق التي سمعتها إيجابية للغاية، بدأت من نقطة الانطلاق في عمان، إلى نقطة العودة من الأراضي المقدسة، مرورًا بالنوم والغذاء والمواصلات والرعاية والسكن والإسكان في مكة ومنى وعرفة ومزدلفة، بما في ذلك خدمة ذبح الهدي .. كل هذا برسوم معقولة ومقبولة، حتى جعلني ما سمعته من راحة ومتعة .. جعلني أحلم بالحج في العام المقبل بإذن الله!!…

وعلى الجانب الآخر (حجاج التأشيرة) .. حادثتهم – ومنهم أصدقاء – وحاولت أن أستفزهم بحثًا عن مظاهر تقصير الوزارة معهم .. إلا أنهم قالوا: لا شأن للوزارة في ما وقع .. فنحن الذين ذهبنا باختيارنا .. وتحدثوا عن معاناة كبيرة لم يتوقعوا حدوثها .. فقليلٌ منهم أدى فريضة الحج .. ومن أداها فقد أداها في جو غير طبيعي .. وآخرون قضوها في التنقل هنا وهناك، والهروب والاختفاء، ومنهم من قطع مسافات تقترب من مئة كيلو متر على مدى أيام الحج، بما فيها المسافة من منى إلى عرفات وبالعكس في طقس حار للغاية .. ومنهم من ضاع .. ومنهم من قضى نحبه، نسأل الله أن يكتب لهم أجر الشهداء ..

أيها الأحبة .. حتى أمس الجمعة .. دخل معبر المدورة الأردني 5820 حاجًا من حجاج البعثة الرسمية .. فيما دخل أكبر من هذا العدد أي 6577 حاجًا من أصحاب التأشيرات!! .. غير الذين عادوا منهم جوًا، إضافة إلى أعداد ما زالوا في مكة وما حولها، وأعداد منهم أخَّروا موعد عودتهم وأقاموا عند بعض معارفهم، وربما أعداد أخرى تقطعت بهم السبل ..

هي أعداد كبيرة بالفعل، تفوق بلا أدنى شك أعداد الحجاج الرسميين .. فالظاهرة أكبر مما نتوقع ..

البحث جارٍ عن متسببين في هذه الظاهرة .. قد يكون هناك متسببون .. وقد يكون هناك من شجع .. وبسَّط الأمور لهم .. فغرر بهم .. ولكن ..

· من توجه للحج بالتأشيرة أعتقد أنه كانت لديه النية مع سبق الإصرار لأداء هذه الفريضة منذ لحظة استخراج هذه التأشيرة، والغالبية ما استخرجتها إلا بهذه النية.

· إن من استخرج هذه التأشيرة، ودفع رسومها، ونوى استخدامها، واتخذ قراره .. هم جميعًا كبار عاقلون راشدون واعون لما يفعلون.

·إن من توجه للحج بالتأشيرة لم يضغط عليه أحد، ولم يجبره على ذلك أحد، وإن كنا نتوقع أن أسبابًا عدة – لن نقف عندها – دفعته إلى ذلك.

·لو علم هؤلاء الحجاج أو توقعوا ما كان ينتظرهم، بكل تأكيد ما كانوا فعلوها، ولكن هذا قدرهم وما كُتب لهم. فالحمد لله على كل حال.

·نتمنى على رجال الأعمال الأردنيين المقتدرين أن يطلقوا في كل عام – كل حسب قدرته – عددًا من الفرص، وأن يتكفلوا بتكاليف الحج لعدد من الراغبين في تأدية هذه الفريضة، أو المساهمة بجزء من التكاليف، حسب آلية تحقق الغرض من هذه المشاركة.

بقي لنا همسة في أذن المسؤولين .. حيث نتمنى عليهم إيجادَ حلولٍ متوازنة لعلاج الأسباب والدوافع التي أدت لظهور هذه الظاهرة بهذه الحدة منعًا لتكرارها .. ومخاطبة المسؤولين في المملكة العربية السعودية الشقيقة، لزيادة أعداد الحجاج الأردنيين، فما تبذله السعودية – منذ عقود – من جهود مشكورة في التوسعات في مكة والمشاعر، لا شك في أنها ستساعد على استيعاب مثل هذه الزيادات.

حفظ الله الحجاج والمعتمرين .. ونكرر الشكر للجهود التي بُذلت من العاملين في وزارة الأوقاف قبل وخلال موسم الحج.

والله من وراء القصد،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى