الأديبة هيام عبد المحسن زيدان تكتب .. قطار الزكريات
كتبت الأديبة هيام عبد المحسن زيدان
أستيقظت كعادتى مبكرأ ككل يوم أعرف ماذا أفعل بألية دقيقة،.أخذت حمامى، صليت صلاتى، وضعت أناء اللبن على الموقد..أرتشفت بعض منه مع قطع من الكيك اللذيذ.،أرتديت ملابسى،.وأمام المرايا التى لم تصادقنى يومأ جمعت شعرى سريعأ،قبضت عليه بعنف،.خنقته بشريطه المطاطي،.أحكمت غطاء شعرى،.
جمعت كتبى وأوراقى ووضعتهم فى شنطة كبيرة وضعت فيها كل ما يخصنى عند سفرى ٠٠وهبطت درجات السلم مسرعة٠٠أستقليت القطار ٠٠كل شىء كما كان كل يوم فى هذا اليوم على غير عادته لم يكن مزدحم وبخاصة في هذا الوقت المبكر من الصباح،.
نظرت الى كل البشر من حولى ٠٠هم كما هم،.ربما نفس الوجوه التي أقابلها كل يوم،.أو ربما كل الوجوه تتشابه..فشابأمقبل على الحياة مادد يديه لها وكأنه يملكها،.وشيخ تعب من عبثها معه وكرهها، وطفل يلهو،.وشابة تنتظر الحياة بأحلام وردية،.المحطة تلو الأخرى حتى يأتي نهاية الطريق فكل حياتنا محطات…ها قد جاءت أحدى المحطات الرئيسية نزل فيها الكثير من الركاب،.جلست على المقعد الخالى فى مواجهة نافذة القطار ،وفى ظلمات النفق تسلل الى عبر الزجاج ملامح سيدة ممتلئة القوام شاحبة الوجه،.
رسم الحزن الكثير من الخطوط على ملامحها،.نظرت إليها ،ثم نظرت إلى بتمعن كأنها تعرف هذا الوجه من قبل، دققت النظر وذادت الدهشة،.ثم توقف القطار فجأة فى وسط النفق ولم يخرجنى من شرودى سوى صوت الركاب من حولى لقد توقف القطار فى المحطة..بحثت عن تلك السيدة التي كانت في مواجهتى فوجدتها هى الأخرى تبحث عنى بين الركاب، تسللت ملامح القلق الى وجهى عبر الزجاج..خلعت نظارتى مسحتها بكلتا يداى ووضعتها مرة أخرى على وجهى هامسة في نفسى،.ما أغرب هذه الملامح؟
إنها ليست بغريبة على، من هذه السيدة التي انطبعت ملامحها على الزجاج، .استغربت تلك الملامح وتذكرت كيف مرت السنين بمنعطفاتها على هذا الوجه وكيف غيرت فيه الحياة، وتزكرت فجأة حياتي…كيف كانت الطفولة جادةوالمراهقة أكثر جدية فكان دائما هناك المهم والأهم فالحياة تحتاج دائما الى الأولويات٠٠وكيف نفذت الحياة دستورها بوفاة الوالدين واحد تلو الآخر ونفذ أشقائى الثلاثة سنة الحياة بالزواج تلو الأخر..وبقيت أنا وحدى ٠٠وكيف أننى لم أجد من يعرفنى أو ربما التى لم أتعرف على الناس قط ٠٠
كيف أن هذا الجسد النحيل بداخله قلب أرق من قلب عصفور فى مهده ،.وكيف أن الناس لم تعرفه يومأ ٠٠لم يعرف أحد سنوات الغربة التى عشتها ولا كيف كان برودة الوحدة فى ليل الغربة قاتل ٠٠لم يعرف أحد هذا القلب من داخله فلم يعرفوا منه إلا الوجه الذي ترسمه هى لهم وكم أن الوجوه تخدع كثيرأ ٠٠٠أفقت من شرودى عند استكانتى على مقعدى في القطار ٠٠فسرعان ذادت تعليقات الركاب عن الوقت الضائع ..فقد بدا القطار يعاود حركته ببطء..
اهتز زجاج نافذة القطار بحركة آلية..مع أول أشعة للضوء تسللت إليه ٠٠ثم توقف القطار عند المحطة، .نهضت من سكونى ٠٠واستجمعت أوراقى ولملمت حاجياتى..ومشيت فى استكانة ٠٠خرجت مع كتل البشر من بوابات القطار المزدحمة على السلم،.خرجت الى باب الجامعة ودخلت الكلية وعلى وجهى إبتسامة رقيقة. رافعة رأسى، قوية، ممسكة بذلك القناع الذى ألصقه كل يوم بإحكام على وجهى ٠٠٠ودخلت إلى قاعة المحاضرات وجلست على الكرسي،أستمع إلى المحاضر وكتبت تاريخ المحاضرة على الحائط ٠٠