صدر حديثاً كتاب “مُعْجَم اللُّغات السِّرِّيَّة للحِرَف والمِهَن اليدويَّة” للدكتور “فتح الله سُليمان”
كتب جودة عبد الصادق إبراهيم
صدر عن الهيئة المصـريَّة العامَّة للكتاب (مُعْجَم الدَّخيل في العربيَّة)، للدكتور فتح الله سُليمان، أستاذ العلوم اللغوية بكليَّة الآداب – جامعة حُلوان في عام 2019. وقد استغرق عمل هذا المُعْجم – كما يقول مُؤلِّفه – أكثرَ من عشرِ سنوات، واحتوى على مئات الألفاظ.
واستكمالًا للمشـروعات المعجميَّة التي يتبنَّاها الدكتور فتح الله سُليمان، يأتي (مُعْجَم اللُّغات السِّرِّيَّة للحِرَف والمِهَن اليدويَّة)، الصادر عن مركز ليفانت للدراسات الثقافيَّة والنشر (2023)، وفيه يرصد صاحبه الألفاظ السرِّيَّة لسِتِّ عشرةَ حرفةً ومهنة، ويقوم بتأصيلها وتحليلها.
وتقوم فكرة هذا المعجم على أنَّ هناك ما يُسمَّى (اللُّغَة السِّـريَّة)، التي يستخدمها أصحـابُ حرفةٍ أو مهنةٍ معيَّنة، تقوم على تجهيل المعنى لدى غير المُنتمِي إليها، بحيث إنه يسمع ألفاظًا وعباراتٍ ومصطلحات، دون أن يدرك الدَّلالة المرادة أو المعنى المقصود. وألفاظ هذه اللغة محدودة، ترتبط بالحاجات الإنسانيَّة، والعمل والغرائز. وهدف اللغـة السـريَّة تسهيل إنفـاذ الأعمال المطلوبة، وتحقيق الأهداف المَرجُوَّة، دون إشراك السامع غير المنتمي إلى حرفة المُخاطِب أو المُخاطَب، بل التَّعْميَة عليه؛ حتى لا يكون على بَيِّنَةٍ ممَّا يُقال.
واستخدام اللغة السـرية ليس مقصورًا على الحِرَف أو الأنشطة الوضيعة، نحـو: السـرقة، والنَّشْل، والعَوَالِم… بل يمتدُّ إلى نظيراتها الشـريفة، مثل: النِّجَارة، والتنجيد، وبائع الكُشَرِي… إلَّا أنَّ أصحاب الحرف الأُولَى أكثر احتياجًا من نظرائهم – ممَّن ينتمون إلى الأخرى – إلى التعمية على ما يقولون؛ لأنهم يدركون أنهم يمارسون أعمالًا مُحتَقَرة من المجتمع؛ ومن ثَمَّ فمُحالٌ التلفُّظ باللفظ الصـريح الدَّالّ، مثلًا، على النَّشْل، أو السَّرِقة، أو المسروق، وإلَّا انكشف أمرُهم، وظهر مرادُهم، وخاب سعيُهم.
وكانت الألفاظ الخاصة بكُلِّ حِرْفَة مسبوقةً بمقدَّمةٍ قصيرةٍ عن تلك الحرفة، وتعريف بها، مع بيان أهميَّتها، وأصولها، وتاريخها. ومن أمثلة ذلك أنه عند الحديث عن (القَهْوَجِيّ) تعرَّض المعجـم إلى مشـروب (القَهْـوَة)، التي نُظر إليها في البداية على أنها مُحرَّمة، جرَّاء فتوى دينيَّة؛ إذ كانت اسمًا من أسماء الخمر، وتطرَّق إلى بداية ظهورها؛ وكذا إلى ظهور المقاهي.
إنَّ أهميَّة هذا المعجم تنبع من كونه يُعدُّ رافدًا مُهمًّا من روافد المعجم العربي، عن طريق إمداده بالكثير من الألفاظ والمصطلحات، التي يظهر فيها التطوُّر والتغيُّر، اللذان يُصيبان الألفاظ، جَرَّاء الاستعمال عبرَ الحِقَب الزمنيَّة المختلفة.