القوة الناعمة.. نظرة جديدة
بقلم عبد اللطيف المناوي
تُعرف المجتمعات من قوتها الناعمة، التى تستخدمها عادة فى تحقيق غايات التنمية سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. والقوة الناعمة أو الـSOFT POWER هو مفهوم صاغه أستاذ العلوم السياسية الأمريكى، جوزيف ناى، من جامعة هارفارد، لوصف القدرة على الجذب دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع.
وقد صاغ «ناى» هذا المصطلح فى كتابه الصادر عام 1990 بعنوان «الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية»، وقام بتطوير المفهوم فى كتابه الذى صدر عام 2004 بعنوان «القوة الناعمة: وسائل النجاح فى السياسة الدولية»، وهو منذ فترة يُستخدم على نطاق واسع فى الشؤون الدولية من قبل المحللين والسياسيين.
ويُخطئ الكثيرون عندما يحصرون القوة الناعمة فى المجالات الثقافية والفنية فحسب، إذ تندرج تحت المفهوم كل الأفكار والمبادئ والأخلاق الناتجة عن التفاعلات الاجتماعية فى كل المجالات، بدءًا من مجال البنية التحتية، مرورًا بالثقافة والفنون والتعليم، وصولًا حتى لسياسات الدول وممارسات السياسيين.
ربما انتبهت مصر منذ بداية حضارتها للقوة الناعمة (مفهومًا وليس اصطلاحًا)، إذ عرفت التأثير الحضارى الذى اهتمت بصناعته من معابد وأفكار دينية وعقائدية وفنية ونظام حكم وأخلاق، وفى العصر الحديث قامت النهضة الأولى على أكتاف القوة الناعمة والتأثير الذى خلقته البعثات المصرية إلى الخارج، فضلًا عن الاهتمام بالتعليم وبتأسيس حياة مجتمعية وسياسية قائمة على التعددية والأفكار المختلفة.
ولا جدال أن مصر خلال الفترة الأخيرة- ومع دخول المصطلح ذاته حيز التنفيذ والرسوخ- استمرت فى تنمية القوة الناعمة ودعمها بشتى الطرق، نظرًا لأهميتها الكبرى فى عصر الإنترنت الذى ألغى الحدود الجغرافية، وجعل المنافسة فى الإقناع والجذب أكثر شراسة من ذى قبل، وهو ما يؤكد أهمية دور القوة الناعمة فى الوقت الحالى.
وغير صحيح ما يتم الترويج له مؤخرًا من فكرة سحب البساط من القوة الناعمة المصرية، لأنها ببساطة- كما أوردت سلفًا- مجموعة من الأفكار والمبادئ والأخلاق التى رسخت عبر كثير من الممارسات فى النسيج المصرى، فصارت جزءًا من هذا النسيج، لا تتأثر بصعود أو هبوط يطرأ على القوة الناعمة لبعض الدول الإقليمية، بل إن التنافس فى هذا يدفع إلى الأمام، ولا يشد إلى الخلف.
هذا لا يعنى بالتأكيد التراخى والاعتماد على ما حققته مصر من تأثير لقوتها الناعمة عبر السنين، بل يجب تمامًا العمل على تنمية هذا الأثر ودعمه بشتى الطرق، وفى شتى المجالات حتى يتحقق لنا ما نريد من رؤية مستقبلية.
هذه النظرة المتفائلة لا تعنى أن أمورنا «تمام»، لأن الواقع أن هناك أخطارًا وأخطاء.
بواسطة عبد اللطيف المناوي … نشر في المصري اليوم