الشرطة.. أكثر من مجرد عيد
بقلم عبد اللطيف المناوي
فى 25 يناير سنة 1952 رفضت قوات الشرطة المصرية تسليم أسلحتها وإخلاء مبنى محافظة الإسماعيلية للقوات البريطانية، فيما عُرف بموقعة الإسماعيلية، وأسفر الاشتباك بين الشرطة المصرية والقوات البريطانية عن مقتل 50 شرطيًا مصريًا و80 جريحًا.
منذ ذلك اليوم صار يوم 25 يناير عيدًا للشرطة، صار عيدًا للبطولة والفداء، صار يومًا يستذكر فيه الناس بطولات أجدادهم الخالدة، حينما كانوا يدافعون عن الوطن بأجسادهم.
ذلك الحادث الجلل ربما تناسته الأقلام طوال فترة طويلة، وصار تذكره نادرًا عبر القليل من دارسى التاريخ ومحبيه، ولا أعرف على وجه التحديد سبب ذلك، ربما انشغال الدولة فى فترة ما بالاحتفال نفسه دون النظر للبطولة صاحبة الفضل فى ذلك، وربما فقدان أو تلف الكثير من المصادر التى حكت عن الواقعة.
احتفال المصريين بالشرطة ليس وليد زمن ما بعد الخمسينيات، بل ربما أقدم من ذلك بكثير، ربما يعود إلى عصور مصر القديمة، وهو ما ينفى الاعتقاد السائد لدى البعض بأن جهاز الشرطة ارتبط ببدء ما اصطُلح على اعتباره نشأة الدولة الحديثة مع وصول محمد على إلى سدة الحكم فى مطلع القرن التاسع عشر مع التنظيمات التى أدخلها لتحديث مصر.
ولأن التاريخ كتاب مفتوح، يحتاج إلى قارئ وباحث فى تفاصيله، فإن ما ورد فى كتب تاريخ الحضارة المصرية يشير إلى أن جهاز الشرطة عرفته مصر مع بدايات الدولة المصرية القديمة عندما وحّد الملك نارمر (المشهور بمينا، أى المؤسس) مصر فى دولة واحدة يحكمها الفرعون، فظهرت الحاجة الماسة لإدارة تُنظم أعمال توزيع مياه النيل بين المصريين، فكان جهاز الشرطة الذى اقتصرت مهمته الأولى على الحرص على توزيع مياه النيل بشكل عادل بين جميع المصريين آنذاك. هذا ما كتبه عالم المصريات الجليل الدكتور سليم حسن، صاحب موسوعة «تاريخ مصر القديمة»، وقد أشار أيضًا إلى أن أهمية هذا المنصب دعت إلى أن يتولى وزير الفرعون مهام رئيس الشرطة الأعلى فى العاصمة، بالإضافة إلى المحافظة على المؤسسات العامة، ومتابعة العاملين فى إدارة الدولة وعزل من يثبت فساده، بالإضافة إلى حراسة الفرعون بتشكيل الحرس الخاص به.
بمرور الوقت أصبح منصب «رئيس الشرطة» من أهم الوظائف فى الدولة المصرية، كما أُسندت لهذا المنصب مهام أخرى لا تقل أهمية ولا خطورة عن حفظ الأمن، ومن بين تلك المهام حماية مقابر الفراعنة حتى لا يتعرض لها لصوص الذهب والمقابر، وربما يكون أبرز ما قامت به الشرطة الفرعونية وسجله التاريخ هو ما قام به رئيس الشرطة «سمحو» من إحباط مؤامرة لاغتيال إخناتون، فرعون مصر.
ومع زمن مصر الحديثة، ووصول محمد على إلى حكم مصر، كان تنظيم جهاز الشرطة ضمن مشروعه التحديثى، وتوسعت مهام الشرطة التى بدأت تأخذ طابعها العصرى من حفظ الأمن فى مختلف مرافق الدولة، وبدأ استحداث بعض الإدارات التابعة لجهاز الشرطة كشرطة الجمارك وشرطة البصاصين (الشرطة السرية).
تلك الحكايات وغيرها موجودة فى كتب التاريخ التى تحتاج إلى قارئ، فنحن الآن نحتفل بعيد الشرطة، الذى يواكب افتتاح معرض الكتاب، لذا أرى أنه من الضرورى أن تدعم الدولة حملة لقراءة تاريخ مصر بشكل دقيق، لإبراز ما فيه من خبايا وخفايا أهملها التاريخ الرسمى.
بواسطة عبد اللطيف المناوي … نشر في المصري اليوم