تحقيقات وحوارات

وأما بنعمة ربك فحدث

بقلم الكاتب الأسلامي رمضان البيه

من المعلوم أن كل النعم التي يتقلب فيها العباد سواء نعم ظاهرة أو نعم باطنة هي من محض فضل الله تعالى عليهم . يقول عز وجل ( وما بكم من نعمة فمن الله ) .. ومعلوم أن أول نعمة أنعم بها الحق سبحانه وتعالى على العباد هي نعمة الخلق والإيجاد فقد خلقهم وأوجدهم سبحانه من العدم بقدرته .

ونعم الله عز وجل لا أول لها ولا آخر ولا عد ولا حصر لها . يقول تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) . هذا ولا يستطيع أحد أن يوفي الله تعالى شكرا على نعمة واحدة . والله تعالى قد طالب العباد أن يشكروه سبحانه على نعمه ووعدهم عز وجل بفتح باب المزيد من الفضل والنعم . يقول تعالى ( وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ) . هذا وقد أمرنا تبارك في علاه أن نحدث بنعمه فقال تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) .والتحدث بنعم الله غير قاصر على النعم الظاهرة بل يجب أن يحدث العبد عن نعمه الباطنة والتي منها نعمة الإستقامة والفتح الرباني والرؤى الصالحة وهي المبشرات وما يفتح الله تعالى به على قلوب الأتقياء والأصفياء من عباده .

وكثيرا ما يتحدث أهل محبة الله تعالى وولايته عن فضل الله تعالى عليهم وما خصهم به سبحانه من النعم الظاهرة والباطنة وما فتح به تعالى على قلوبهم من أنوار علوم المعارف وما خصهم به من الكرامة إظهارا وتحدثا بفضله سبحانه وتعالى وتأكيدا بأنه عز وجل متجلي بأسماءه وصفاته على الدوام وأنه كريم جواد وعاطي ومعطي ووهاب وفتاح سبحانه وفي نفس الوقت لتحفيز الأحباب وطالبي طريقه تعالى على الهمة والإخلاص في إقبالهم .. وكثيرا ما يتهمهم أصحاب المفاهيم الضيقة والأنظار القاصرة من المحجوبين عن نور الله تعالى المتجلي به سبحانه وتعالى عليهم ويتهمونهم برؤية النفس والكبر والغرور .. وهم من ذلك براء فهم أبعد ما يكونوا عن رؤية النفس و الكبر والغرور . .

هذا وكيف لعباد أخلصوا الوجهة إلى الله تعالى وصدقوه تعالى وجاهدوا أنفسهم بسيوف الطاعات حتى هداهم الله عز وجل إلى سبيله وأتم عليهم نعمته بأن حققهم بحقيقة العبودية الخالصة له تعالى والتي قد يغيب عن معناها أو يجهل معناها الحقيقي الكثير من الناس والتي تعني مقام العبد في مقام الذل والإنكسار والعجز والإفتقار لربه تعالى ومولاه . ولا يتحقق العبد بالعبودية حتى يسقط الأنا ويفنيها ويتجرد ويتبرأ من الحول والقوة لصاحب الحول والقوة .. سبحانه .. ويسقط إختياره لإختياره تعالى ويخرج من تدبيره إلى تدبير سيده جل في علاه ولا يرى لنفسه فضل لا في عمل ولا في طاعة ولا في علم ولا في بر ومعروف وإحسان ولا يقيم لنفسه وزن ..

ومن أجل ذلك حقوقهم الله تعالى بحقيقة العبودية وجعلهم عبادا ربانيين متخلقين بأخلاق الله تعالى متصفون بصفاته عز وجل ..وعند ذلك لا حرج أن يتحدثوا بفضل الله عز وجل عليهم ويحدثون عن فضل الله تعالى ونعمه الظاهرة والباطنة إمتثالا لقوله تعالى ( وأما بنعمة ربك فحدث ) .. هذا وعندما يتحدث أهل ولاية الله تعالى عن فضل الله يكن كلامهم ونطقهم بالله تعالى لا بأنفسهم ولا عنها إظهارا لعظيم فضله وواسع كرمه سبحانه وتعالى وتحفيزا لأهل سلوك طريق الله تعالى وغيرهم على أن يخلصوا وجهتهم لله ويصدقوا في حالهم معه عز وجل حتى يتحققوا بالعبودية الحقة لله تعالى ويكونوا أهلا لأن يفتح الله تعالى على قلوبهم فتوح العارفين وبعد إسقاط الأنا وعدم رؤية النفس والتحقق بأن ما هم فيه من النعم من محض فضل الله تعالى عليهم عند ذلك لهم أن يتحدثوا بفضل الله تعالى وما خصهم به سبحانه وتعالى من الفتح الرباني والعطاء الإلهي .هذا ومن أقوالهم الدالة على فناءهم وعدم شهودهم لأنفسهم ..قولهم .. ( غب عنك تجده .. وأقبل عليه تعالى به سبحانه لا بك .. وأفني الأنا بتزكية النفس وإماتة حظوظها وإياك ان تراك .. ولا تنسب إليك عملا ولا فضلا حتى يفنيك عنك ويبقيك به سبحانه.)

عند ذلك تكن عبدا ربانيا ولك ان تحدث ولا حرج وعند ذلك لا إلتفاتة لمن جهل الحال ولم يدرك المنزلة والمقام..بل لا إلتفاتة إلى الخلق جميعهم .. المادح والقادح .. ويستوي عند أهل ولاية الله ( المادح والقادح ) كلاهما سواء عنده. وصدق تعالى إذ قال ( قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ).. وصدقت السيدة رابعة العدوية رضي الله عنها إذ قالت ( ليتك تحلو والحياة مريرة ..وياليتك ترضى والأنام غضاب..إن صح الود منك فالكل هين ..فإن ما فوق التراب تراب ) ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى