تحقيقات وحوارات

مصيبة الموت وفقد الأحبة

بقلم الكاتب الأسلامي رمضان البيه

.. يقول الله تعالى: ( كل نفس ذائقة الموت ) . ويقول سبحانه وتعالى (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).

. تلقيت خبر وفاة أخي الحبيب وصديقي العزيز الإنسان المهذب الخلوق العالم الجليل والشيخ الفاضل الأستاذ الدكتور عبد المقصود الباشا رئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر الشريف وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تلقيت خبر وفاته بمزيد من الحزن والأسى فقد كان أخا كبيرا وصديقا عزيزا كريما على مدار أكثر من ربع قرن وقد شرفت بالعمل معه ومشاركته في عدة برامج وحلقات تلفزيونية بالتلفزيون المصري وكنا صحبة دائمة في ضيافة المرحوم الإعلامي الكبير الدكتور علي عبد الحليم رحمه الله تعالى في برنامج ” أنوار القلوب ” مع المخرج المحترم الأستاذ شريف الشناوي . وكانت لنا سهرات تلفزيونية في برنامج ” أستديو ٢٧” على القناة الأولى بالتليفزيون المصري. وأشهد له رحمه الله تعالى بالعلم الغزير والتواضع الجم والبساطة والأدب المحمدي العالي والظرف . .هذا والموت وفقد الأحبة مصيبة كبرى وتعظم المصيبة إذا كان المتوفى عالما جليلا من علماء الأمة . فالعلماء هم ورثة الأنبياء عليهم السلام وهم المنارات التي تنير للناس طريقها إلى الله تعالى وتعلمهم أمور دينهم وبوفاتهم يقبض الله عز وجل العلم .وقد أشار الرسول الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله ( إن الله لا يقبض العلم إنتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقى عالما أتخذ الناس رؤوسا جهالا أسئلة فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ) . نعود إلى حديثنا عن الموت وحقيقته .. الإنسان منا يتقلب في رحلة حياته الدنيوية بين إثنتين، رزق مقسوم قدره الله تعالى من الأزل لا حيلة له فيه، وأجل محتوم مقدر من الأزل لا مفر ولا مهرب منه، وكلاهما -أي الرزق والأجل- بيد الله تعالى وحده وبتقديره سبحانه ، إلا أن القلق والخوف عليهما لا يفارق نفوس غالبية البشر..

والإنسان بطبيعته ضعيف عجول يقلق على الرزق ويخاف من الموت بإستثناء عباد الله المؤمنين المتقين أصحاب القلوب العامرة بالإيمان، والنفوس المطمئنة الراضية المرضية وهم قلة في كل زمان..

هذا وبالرغم من أن الله تعالى قد أخبرنا أنه سبحانه هو الذي يملك الموت والحياة، وإننا ميتون ومبعوثون يوم القيامة وراجعون إليه سبحانه، يقول تعالى: (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى).. ويقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ )، ومازال الكثيرون منا يخشون الموت

وغاب عنهم أن لكل أجل كتاب، وأن الأسباب تتعدد والموت واحد كما يقول تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ۚ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ).. ويقول سبحانه: ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُون ).

هذا وقد جعل الله تعالى علينا حفظة من الملائكة يحفظوننا من أمر الله تعالى حتى يحين الأجل. يقول عز وجل: ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ).

ويقول تبارك في علاه مؤكدا حقيقة أنه لا مهرب ولا مفر من الموت، يقول: ( أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ).. هذا وقد عبر سبحانه وتعالى عن الموت بالشئ الذى يذاق، إشارة إلى أنه حالة عابرة سريعة يمر بها الإنسان عند نهاية الأجل وإنتقاله إلى عالم البرزخ.. فقال سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)..

هذا ولقد بين الله تعالى لنا الحكمة من الحياة والموت، وهي الإختبار والإبتلاء والجزاء في الآخرة عند اللقاء، فقال عز وجل: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )..

هذا وما من إنسان إلا وهو يعيش حالة الموت في منامه، فالنوم كما قيل ميتة صغرى.. يقول تعالى: ( اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)..

هذا وحقيقة الموت عند العارفين بالله تعالى حياة، وخروج الإنسان من عالم التقييد إلى عالم الإطلاق، وأستندوا في ذلك إلى قول الله تعالى وصفا لحال الإنسان عند الموت: (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).. هذا وقد بين الله تعالى لنا أحوال العباد بعد الموت عند لقاءهم به عز وجل، فقال سبحانه: (فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)..

هذا والموت هو الفاصل بين لقاء العبد بربه عز وجل وفي الحديث.. أحب الله لقاء من أحب لقاءه.. وفي الختام يقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله: “من أراد موعظة فالموت يكفيه” .رحم الله تعالى الفقيد العالم الجليل أخي وصديقي العزيز الأستاذ الدكتور عبد المقصود الباشا رئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر الشريف وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى