سوشيال ميديا

عقبات لا يتخطاها إلا الفائزون

بقلم الكاتب الأسلامي رمضان البيه

ولازال حديثي مع شيخي رحمه الله تعالى عن سلوك الطريق إلى الله تعالى.. سألته يوما عما كان بين السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها وابنة أخيها وخادمتها زينب ابنة يحيي المكنى بالمتوج، يوم أشفقت زينب على عمتها السيدة نفيسة لضعف بدنها الطاهر ومرضها لكثرة عبادتها لله تعالى، فقد كانت صوامة قوامة ذاكرة لله تعالى، قارئة لقرآنه، وكانت كثيرة البكاء شوقا وحنينا للقاء محبوبها عز وجل.

فلما رأت زينب حالتها قالت لها: ألا ترفقين بنفسك يا عمتاه فقد مرض البدن وضعف وكدتِ أن تهلكي.. فردت عليها عمتها بقولها: يا زينب كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات لا يتخطاها إلا الفائزون.

فسألته رحمه الله تعالى: يا شيخي ما هي العقبات التي تعوق السالك وتعترضه أثناء سيره إلى الله عز وجل التي أشارت إليها سيدتنا الكريمة السيدة نفيسة رضوان الله عليها؟ وكيف يتخطاها السالك ويسلم منها؟

فأجاب قائلا: في البداية نقسم أهل سلوك طريق الله تعالى إلى ثلاث مراتب: أهل بدايات، وأهل متوسط سير، وأهل نهايات.. فأهل البدايات يعترض سيرهم في الطريق إلى الله تعالى أربعة هي: النفس بما ركبه وأودعه الله تعالى فيها من غرائز وشهوات وعلائق وأغيار وحب الأنا وحب الدنيا وميلها للراحة والكسل وخاصة في العبادات والطاعات.

والنفس قبل التزكية بها أمراض وعلل مبطونة لا يدركها إلا شيخ مُربٍّ كامل وارث محمدي صاحب عين بصيرة نافذة. هذا ومعلوم خطورة النفس وعداوتها لصاحبها وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: “أعدى عدو لك نفسك التي بين جنبيك إنها لأقوى من سبعين شيطانا”.. ولذا جهادها هو الجهاد الأكبر كما أخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال لجماعة من أصحابه بعدما رجعوا من إحدى الغزوات.. قال: “مرحبا بكم لقد جئتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.. فتعجبوا وقالوا يا رسول الله أهناك جهاد أكبر من القتال في سبيل الله تعالى.. قال: جهاد النفس”.

هذا ولتخطي عقبة النفس لا بد من مجاهدتها ومخالفة هواها وكسر شهوتها وكسر الأنا المتوهمة فيها المعبأة بالكبر والتعالي والغرور والأنانية والخروج بها من وصف النفس الأمارة بالسوء إلى وصف النفس المطمئنة، ولا يتم ذلك إلا على يد أحد الأولياء الصالحين وهو الشيخ المربي صاحب البصيرة وطبيب الأنفس والقلوب العليم بعلل وأمراض النفس الباطنة والعليم بدواء كل داء، وهو الخبير الذي أشار إليه عز وجل بقوله: “الرحمن فاسأل به خبيرا”.

ويلزم السالك لطريق الله أربع هي: ملازمة شيخه واتباعه وصحبته بالأدب والتسليم والالتزام. ويلزم المريد في البداية الجوع حتى يكسر شهوة النفس، والصمت حتى يلقح فكره، ويحفظ لسانه من اللغو والسهر مع الذكر والتفكر في آيات الله تعالى حتى يصهر الروح بالذكر ويضعف البدن ويقوي إيمانه.

هذا مع التزامه بإقامة أركان دينه بالاستقامة على أمر الله تعالى مع إقامة حدود سبحانه والتمسك بالسنة النبوية المطهرة والعمل بما جاء فيها.. ويستحب في البداية إلتزام الخلوة حتى يقطع عن نفسه الشواغل ويتفرغ فيها للعبادة والذكر والتفكر والتأمل. وعليه بمراجعة شيخه في أحواله فهو طبيبه ومرشده.

ثم تأتي العقبة الثانية وهي فتنة الدنيا وزينتها ثم فتنة الشيطان بوسوسته وتخويفه وتزينه وتغريره، والخلاص من تلك الفتن يكون بالاستقامة والزهد في الدنيا والاستدامة على طلب إمدادات الإعانة من الله عز وجل، والاستعاذة به سبحانه من هذه الفتن..

هذا عن العقبة الأولى التي تعترض السالك في البداية وهي أشد العقبات وآخرها وهي النفس.. وأما عن العقبة التي تعترض أهل متوسطي السير إلى الله، وهم الذين قطعوا شوطا في سلوك الطريق ومجاهدة النفس وخرجوا من دائرة الظلمات إلى دائرة الأنوار، وتخلت أنفسهم عن الدنيا والنقائض والرذائل، وتحلت بالمحاسن والفضائل وأشرق الحق على قلوبهم بأنوار أسمائه وصفاته عز وجل، ورزقهم أنوارا وعلوما ومعارف وأسرارا ومنحهم نور البصيرة، وأصبح عندهم كشف يخشى عليهم من دخول آفة العجب ورؤية النفس فيحجبوا.

هنا توقف الشيخ قليلا ثم قال: هناك حجب أغيار وتحدثنا عنها في البداية والخروج منها سهل كما قلنا بمصاحبة الأخيار ومجاهدة النفس.. وهناك حجب وعقبات أشد وأخطر وهي حجب الأنوار فالسالك وهو في دائرة النور لا يسلم من الفتن، ولذا احتياجه إلى شيخه وهو في الأنوار أشد حتى يعينه ويخلصه من فتنة العجب والغرور ورؤية النفس والركون.

ثم تأتي العقبة التي ليس بعدها عقبة وهي التفات السالك بعد الوصول إلى التجليات الربانية وانشغاله بها والركون إليها. والانشغال بالعطاء عن المعطي سبحانه.. فإذا تجاوزها ولم يلتفت إلى ما تجلى الله به عليه وظل ملازما لحظيرة العبودية وتواضع لربه عزوجل.. هنا يستخلص ويرفع ويقام في حضرة القرب ويعايش أنس المنعم عزوجل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى