مقالات كبار الكتاب

جرائم مسئولية من؟

كتب أحمد نجم

أتعجب كثيرا من تلك الجرائم الغريبة التي ظهرت في الآونة الأخيرة في مجتمعنا، نماذج تثير في نفسي أمنية صادقة في أن أكون صاحب قرار في إصدار أحكام علي هؤلاء المجرمين، وهو حال كثير غيري.

وبرغم أنها ليست ظاهرة وهي حالات فردية لا تشكل نسبة مئوية بالنسبة لعدد السكان إلا أنها تحمل في طياتها صرخة احتجاج علي ما وصلت إليه طريقة وجرأة التنفيذ والتي تساهم فيها جهات كثيرة.

سنوات كثيرة قضيتها في العمل الصحفي بقسم الحوادث رأيت فيها ما تشيب له الرؤوس من جرائم، وكنت أتمنى تنفيذ الحكم علي المتهم بمثل ما فعل، غير أنه في الأيام الأخيرة ظهرت أنماط من الجريمة لا بد أن تكون لها وقفة جادة للتصدي ووضع أطر العلاج، فالجريمة التي حدثت منذ أيام بالإسماعيلية وهزت مشاعر الرأي العام من شيطنة تنفيذها وطريقة التمثيل بالجريمة لا تختلف كثيرا عن جريمة محافظة البحيرة منذ ساعات والتي قام مهندس بقتل ابن شقيقه وحاول قتل والديه وبعض أفراد العائلة، بخلاف تلك الزوجة التي مزقت جسد زوجها وفرمته وقدمت لحمه لبعض العمال الذين كانوا يعملون بالقرب من مسكنها ولم تحرم أبناءها من تناول لحم أبيهم مشويا دون أن يعلم أحدا منهم.

بينما كان من المثير ما يحدث في المدارس وخارج أسوار الجامعات من جرائم ارتكبها زملاء الديسك الواحد بأسباب مختلفة وعدنا نسمع عن طالب يفقأ عين زميله بسبب لعب الكرة، وآخر يقتل زميله بسبب معاكسته لفتاته، بينما ما يثير فعلا الغضب هو جرائم الاعتداء وقتل الوالدين والخيانة.

سلوكيات تحتاج لتفسير وتوعية من كثير من الجهات قبل أن تتفاقم وتصبح ظاهرة، ربما نحتاج لإعادة صياغة ما يقدم في المؤسسات الدينية والإعلامية والتربوية لأبنائنا في مختلف المراحل ولا نهتم فقط بالمواد العلمية التي تؤهل لكليات تسمي بالقمة ونغض البصر عن كيفية تأهيل الجيل الواعد سلوكيا وأخلاقيا.

بالضرورة أن تساهم المنابر الدينية في التوعية بالترابط الإنساني وكيفية بناء علاقة صحيحة مع الأخر وأن تكون المؤسسات التربوية أكثر تأثيرا علي تحديد الاتجاه السلوكي للنشء عن طريق تقوية الترابط ووضع الضوابط الصحيحة التي تحكم بناء علاقة زمالة وصداقة وتفعيل حقوق الصداقة والزمالة ووضع إطار تنفيذي لها في تلك المؤسسات بالإضافة لبث روح الترابط الإنساني في علاقات الصغار بعضهم ببعض.

ربما البيت له تأثير كبير في توجيه السلوك منذ الصغر وهو ما يبدو في سلوكيات الأطفال حديثي العهد بالمؤسسات التعليمية التي تبدو علي تصرفاتهم عنف في التعامل مع الزملاء بالرغم من حداثة السن، ربما تكون من العادات الخاطئة تشجيع الطفل علي التلفظ بألفاظ عنيفة أو ممارسة رد فعل عنيف تجاه الآخر بدعوي تربيته على القوة وتحليه بالشجاعة وهو ما يتبناه الطفل في سنوات حياته الأولي وتنمو في داخله سلوكيات عنيفة لا يمكن تقويمها بسهولة.

بخلاف ما يشاهده في بعض الأفلام ومسلسلات (النمبر وان) وما يعرض من نماذج إعلامية تعرض بدقة كيفية ارتكاب الجريمة بوسائل مختلفة.

هناك صرخة لا بد أن تدوي في أرجاء المجتمع يشارك فيها الجميع ويحللها علماء النفس والاجتماع وبيان تفسير لكيف وصل الحال بالبعض في ارتكاب تلك الجرائم.

لا بد من أن تفعل وزارة التربية والتعليم للكلمة الأولي منها وتعتني بالتربية الصحيحة وتقويم السلوك بالإضافة لضبط ما يقدم في وسائل الإعلام والتي تساهم في نسبة كبيرة من إحراف البعض عن طريق رؤيتهم للانحراف السلوكي وفرض السيطرة والبلطجة بدعوي الجدعنة.

غير أن الدور الأمني مهم جدا في محاصرة النماذج الشيطانية وضبطها أولا بأول وكسر شوكتها في المنطقة التي يقيمون فيها ويفرضون أعمال البلطجة علي بقية المواطنين، لا بد من ضبط كل بلطجي في كل منطقة حتي لا ينشر سمومه ويزداد اتباعه.

فعند الكشف عن تلك الجرائم الشيطانية نجد أن ملف اتهامات المتهم يثير الغضب من كثرة سوابقه، فكيف تم تركه طليقا ليرتكب كل تلك الجرائم، كما أن سرعة تنفيذ العقوبات وإعلانها يشكل نوعا من الخوف لدي البعض ويقلل من نسبة ارتكاب الجرائم بينما البطء في التقاضي بالإضافة إلي الوسائل التي يستخدمها بعض المدافعين عن المتهمين في المحاكم والعمل علي إطلاق صراحهم مقابل بضعه جنيهات يزيدهم من ارتكاب جرائمهم الشيطانية.

مهم جدا عقد مؤتمر قومي لوضع آليه توعية ورسم خارطة طريق لمستقبل جيل ينمو داخله بذور شيطانية قبل أن تتحول لظاهرة.

بواسطة أحمد نجم نشر في صدي البلد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى