مقالات كبار الكتاب

جامعة القاهرة وعصر الثورة الصناعية الرابعة

د. محمد الخشت …  أستاذ فلسفة الدين- رئيس جامعة القاهرة
“بعد النجاح الذي حققته جامعة القاهرة في الدخول إلى عصر جامعات الجيل الثالث، حسب المقيمين الدوليين المحايدين في المؤشرات والتصنيفات الدولية، استطاعت الدخول بقوة إلى عصر جامعات الجيل الرابع من بوابته الرئيسة، وهي الثورة الصناعية الرابعة، عبر مسارات العلوم متعددة التخصصات، والتمكين من مهارات خلق القيمة المضافة إلى قطاعات الصناعة والزراعة. وذلك عندما افتتحت أول كلية للنانو تكنولوجي في الشرق الأوسط بمواصفات عالمية، بعد أن عملت على إنشائها منذ وقت مبكر في يناير 2019.
وتهدف كلية الدراسات العليا للنانو تكنولوجي، من خلال استخدام التخصصات المتعددة وليس التخصصات الدقيقة، وتوظيف طرق التعليم غير التقليدية، في إجراء البحوث المبتكرة التي تخلق سبلاً للمعرفة الجديدة للطلاب والباحثين بالمستوى والعمق الذي يمكنهم من التقدم في تخصصهم وتطوير التكنولوجيات المتناهية الصغر. ثم نقل هذه المعرفة إلى الصناعة لتتحقق بها الفائدة في عملية التنمية الشاملة الذي تشهدها مصر.
وتضم الكلية أكثر من 20 معملاً، تتنوع بين المعامل المتخصصة والطلابية، وتحتوي على عدد من أحدث الأجهزة العلمية المعملية التي تمكن العلماء والباحثين من إجراء أبحاثهم وابتكاراتهم والحصول على براءات اختراع جديدة. ومن أهم هذه المعامل الجديدة: معمل الكيمياء المتقدم، ومعمل البيولوجيا الجزيئية، ومعمل البيولوجيا الدقيقة، ومعمل السمية وزراعة الأنسجة (وهو معمل بالغ التقدم وضروري لدراسة مخاطر المواد النانونية)، علاوة على ثلاثة معامل كمبيوتر متقدمة لتقديم المحاضرات وعمل نماذج المحاكاة للتجارب الدقيقة. وفي الوقت الحالي تمنح الكلية الدرجات العلمية في الماجستير والدبلومات المهنية اللازمة لسوق العمل الذي تتطلبه الثورة الصناعية الرابعة، وهي: برنامج ماجيستير العلوم فى هندسة التقنيات النانوية، وبرنامج علوم النانو الحيوية، وبرنامجين للدبلومات المهنية، وبرنامج دبلوم تصميم وتركيب أنظمة الطاقة الشمسية، وبرنامج دبلومة مهنية فى استخدام تقنية النانو في الحفاظ على التراث الأثري الذي تمتاز به مصر. وفي خطتنا التوسع في عدد الدرجات العلمية، واتساعها لتشمل درجات مختلفة في مرحلة البكالوريوس قريبا.
وقد تم تكوين هذه الكلية لتكون من أول يوم كلية ذكية smart college، وفق نظام الساعات المعتمدة في مجال تكنولوجيا النانو المبنية على أنظمة ومعايير الجودة بحيث يصل خريج الكلية إلى مستوي المنافسة العالمية في أسواق العمل المحلية والإقليمية والعالمية.
ولم يكن دخول جامعة القاهرة إلى عصر الثورة الصناعية الرابعة من خلال النانو تكنولوجي فقط، بل أيضا من خلال كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي. وأذكر في ديسمبر 2018 خلال كلمتي الافتتاحية بالمؤتمر الدولي الـ 11 للمعلوماتية والنظم الذي عقدته كلية الحاسبات والمعلومات بالجامعة وقتها، بمشاركة العديد من الشركات العالمية والجهات الحكومية، أكدت على ضرورة العمل على تطوير الكلية لتصبح كلية للحاسبات والذكاء الاصطناعي، لا سيما أن العالم يشهد تطورًا كبيرًا في تكنولوجيا المعلومات ووظائف المستقبل كتخصصات الذكاء الاصطناعي، والبيج داتا، والبلوك تشين، والريبورتات. واقترحت عدة سيناريوهات أمام الكلية لدراستها. وبالفعل كان تجاوب الكلية عاليا، حيث تم العمل بقوة على هذه السيناريوهات ودراستها من لجان متخصصة، حتى تم التوصل إلى السيناريو الأفضل للنموذج الذي يتم بناء عليه التطوير، وبالفعل تحولت كلية الحاسبات والمعلومات إلى كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي لتكون أول كلية تدخل عصر الذكاء الاصطناعي في مصر، وتصبح هي النموذج الاسترشادي. علاوة على تطوير معهد الإحصاء ليصبح كلية الإحصاء للدراسات العليا والتي وظفت الذكاء الاصطناعي في برامجها الدراسية وأبحاثها لتدخل عصرا جديدا في العمليات الإحصائية.
ولم يكن دخول عصر الذكاء الاصطناعي من أجل التعليم فقط، بل كان هذا من أجل توظيف الذكاء الاصطناعي في البحث العلمي. وعلى سبيل المثال، قد نجح باحثونا في إنشاء محرك بحثي لإجراء مسح مرجعي عن كورونا عالميا باستخدام الذكاء الاصطناعي، وأيضا من خلال دعم مفهوم العلوم متعددة التخصصات، حيث توصل فريق بحثي مشترك من كليتي الصيدلة والحاسبات والذكاء الاصطناعي، إلى إنشاء محرك بحثي وظفوا فيه تقنيات الإحصاء والذكاء الاصطناعي لإتاحة المسح المرجعي على أبحاث كورونا، والوصول إلى خلاصة هذه الأبحاث conclusion ، ويبرز المحرك البحثي ثلاثة موضوعات هي الأكثر أهمية في الأبحاث، وهي: الأعراض وتشخيصها، والعلاجات المتاحة، والدراسات السريرية على العلاجات واللقاحات.
وكان نجاح جامعة القاهرة في دخول عصر النانو تكنولوجي والذكاء الاصطناعي أحد أهم الأسباب التي أدت في النهاية إلى تحسين مخرجات التعليم والبحث العلمي وإعطاء قيمة مضافة، وتحقيق تقدم في كل التصنيفات الدولية، بل وأحد أسباب تقدم مصر في المؤشر الدولي “جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي” ص 83. كما انعكس ذلك على تصنيف جامعة القاهرة دوليا، حيث تقدمت في تصنيف QS للتخصصات 2020 في قطاع الهندسة والتكنولوجيا، كما تقدمت في تخصص علوم الحاسب ونظم المعلومات، لتحتل المركز الأول على مستوى الجامعات المصرية بالظهور في الفئة في المركز 101 من بين ثلاثين ألف جامعة على مستوى العالم.
ولم يكن دخول جامعة القاهرة عصر الثورة الصناعية الرابعة مقتصرا على ذلك، بل كان أيضا من خلال تغيير نظم الإدارة لتواكب نماذج الإدارة في جامعات الجيل الرابع، بالإضافة إلى إنشاء العديد من البرامج الدراسية المتقدمة في العلوم المتعددة التخصصات في العديد من الكليات.
وقد أوشكت جامعة القاهرة الدولية على الانتهاء، تلك الجامعة التي تم التخطيط لها منذ وضع حجر الأساس في أبريل عام 2018 لتكون أول جامعة للبرامج تقوم على درجات علمية مزدوجة ومشتركة مع الجامعات العالمية المتقدمة.
والآن تطرق جامعة القاهرة أبواب علوم وتكنلوجيا الفضاء حيث تعمل من فترة غير وجيزة على تأسيس كلية متقدمة في هذا المجال، بجوار إنشاء معامل وفضاءات للابتكار المفتوح.
ولم تخطو جامعة القاهرة هذه الخطوات عشوائيا، بل على أساس خطة استراتيجية موسعة وخطة تنفيذية لها جداول زمنية محددة، ومرتبطة ارتباطا وثيقا بخطة الدولة المصرية للتنمية المستدامة، والغايات الاستراتيجية للأمن القومي المصري، ورؤية مصر 2030″.
بواسطة د. محمد الخشت .. نشر في جريدة الأهرام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى